يسرّنا و يشرّفنا أن نقدّم تحيّة احترامٍ وعرفانٍ للبابا بندكتوس السادس عشر الذي انتقل في ديسمبر ٢٠٢٢ من هذا العالم لملاقاة من أحبَّ طوال حياته… ننقل إليكم وصيّة البابا في نهاية المقال.
كان قد كتب في ٦ كانون الثاني / يناير ٢٠٢٢: “سأمثلُ قريبًا أمام الله الديّان. إن نظرتُ إلى مسيرة حياتي الطويلة أشعر بالرهبة، لكنّ نفسي تبقى سعيدةً لثقتي التامّة أنّ الربّ ليس فقط “القاضي العادل”، بل الصديق والأخ الذي حمل أخطائي في ذاته. فهو القاضي والمحامي في آنٍ واحد”. إيمانٌ وثقةٌ و سعادة… أليس هذا ما نرغبُ أن نعيشَه اليوم وكلّ يوم، حتّى آخر حياتنا؟
تخبرنا مارغرت كرّام المسؤولة الحاليّة عن “عمل مريم” وتقول: “كان ليَ الحظّ والشرف أن أكون في استقبال البابا بندكتوس خلال رحلة الحجّ التي قام بها إلى الأراضي المقدّسة سنة ٢٠٠٩. تأثّرتُ بشكلٍ خاصّ بما قاله لدى زيارة القبر المقدّس: “هنا السلام ممكن، إنّ القبرَ الفارغ يحكي عن الرجاء، ذلك الرجاء الذي لا يخزل لأنّه عطيّةُ الروح القدس، روح الحياة!”. وفي مناسبة زيارته للمكرّسين في”عمل مريم” سنة ١٩٨٩، وكان لا يزال كردينالاً يومها، قال لنا كلامًا عن مستقبل الكنيسة والبشريّة، كلامًا لن أنساه أبدًا: “سوف تكون الكلمة الأخيرة لتاريخ البشريّة كلمة “شَرِكة”. شَرِكة ليس فقط في ما بيننا لكن، لكوْنِنا في قلب المحبّة الثالوثيّة، تصبح الشركة شاملة حيث الله هوالكلّ في الكلّ”. يتردّد صدى هذه الكلمات في داخلي كوصيّةٍ روحيّة، تناسب زمننا بقوّة، وتضفي نورًا ورجاءً على الإنسانيّة المنكوبة بصراعاتٍ لا نُبصرُ لها نهاية”.ليتنا نتأمّل بهذه “الوصيّة” وندرك كم هي عظيمةٌ رسالتنا الجماعيّة فنتخطّى بتصميمٍ وحماسة كلّ ما يُعيقنا من أحكامٍ على الآخرين، أو عدم تقبُّل، أو نفور، أو خوف، أو ربّما لا مبالاة تجاه أيّ ظلم…”، ليكون الله الكلّ في الكلّ (۱ كو۱٥:٢۸)”.
إعداد حياة فلاح
الوصيّة الروحية للبابا الفخري بندكتس السادس عشر٢٩ آب أغسطس ٢٠٠٦
“إذا نظرتُ في هذه المرحلة من حياتي إلى الوراء إلى العقود التي قطعتها، أرى أوّلاً دوافع عديدة عليَّ أن أرفع الشكر من أجلها. أشكر الله أوّلاً، مانح كلّ عطيّةٍ صالحة، الذي أعطاني الحياة وأرشدني خلال لحظات ارتباكٍ عديدة، وأنهضني دائمًا في كلّ مرّةٍ كنت أبدأ فيها بالإنزلاق، ومنحني دائمًا ومجدّدًا نور وجهه. وإذ أنظر إلى الوراء، أرى وأدرك أنّه حتّى الأجزاء المظلمة والمتعبة من هذه المسيرة كانت من أجل خلاصي، وأنّه قد أرشدني جيّدًا فيها.
أشكر والديَّ، اللذان أعطياني الحياة في زمنٍ عصيب، واللذان وعلى حساب تضحياتٍ كبيرة، أعدّا لي بحُبّهما بيتًا رائعًا، مثل نورٍ صافٍ، أنار كلّ أيّامي وصولاً إلى اليوم. لقد علَّمنا إيمانُ والديّ الشفَّاف نحن الأبناء أن نؤمن، و كان ذلك علامة دربٍ ثابتة في وسط جميع دراساتي العلميّة؛ إن ورعَ والدتي العميق وصلاحَها الكبير، قد شكّلا إرثًا لا يُمكنني أبدًا أن أشكرَ عليه بما فيه الكفاية. لقد ساعدتني أختي على مدى عقودٍ باهتمامٍ مُحبّ؛ كما أخي، بشفافيّة أحكامه وعزمه القويّ وصفاء قلبه، مهَّد لي المسيرة على الدوام، وبدون مرافقته المستمرّة لي لم أكن لأتمكّن من أن أجدَ الدرب الصحيح.
أشكر الله بصدق على العديد من الأصدقاء، الرجال والنساء، الذين وضعهم دائمًا بجانبي؛ وعلى معاونيَّ في جميع مراحل مسيرتي؛ وعلى المعلّمين والتلاميذ الذين أعطاني إيّاهم. أُوكلُهم جميعًا بامتنانٍ إلى صلاحه. وأريد أن أشكر الربَّ على وطني الجميل في سفوح جبال الألب البافاريّة، التي رأيت من خلالها على الدوام تألُّق روعة الخالق نفسه. أشكر أهل وطني لأنني تمكّنتُ فيهم دائمًا من أن أختبرَ مجدّدًا جمال الإيمان. أُصلّي لكي تبقى أرضُنا أرضَ إيمان، وأسألكم يا مواطنيّ الأعزّاء، ألاّ تسمحوا لأحدٍ بأن يُحوِّلَكم عن الإيمان. وأخيرًا أشكر الله على كلّ الجمال الذي تمكّنت أن أختبرَه في جميع مراحل مسيرتي، خاصّةً في روما وإيطاليا التي أصبحت وطني الثاني.
أطلب المغفرة بصدقٍ من جميع الذين ظلمتُهم بأيّ شكلٍ من الأشكال، ما قلته من قبل لمواطنيَّ، أقوله الآن لجميع الذين في الكنيسة قد أوكِلوا إلى خدمتي: أثبتوا في الإيمان! لا تسمحوا لأحدٍ بأن يُضلِّلَكم! (…) إنّ يسوع المسيح هو حقًّا الطريق والحقّ والحياة – والكنيسة على الرغم من نواقصها هي جسدُه حقًّا.
أخيرًا، أسأل بتواضع: صلّوا من أجلي، لكي يقبَلَني الربّ، على الرغم من كل خطاياي ونواقصي، في المسكن الأبديّ. إلى جميع الذين أوكِلوا إليَّ، تستمرُّ صلاتي القلبيّة يومًا بعد يوم”.