على الجبهة للمواجهة
باغتنا الوباء، فوجدنا أنفسنا في مواجهة بين هشاشة طبيعتنا البشريّة من جهة، وضرورة تماسُك أحداث حياتنا وترابطها من جهةٍ أخرى.
أزمةٌ إقتصاديّة زعزعت الجميع، حتّى أصحاب المؤسّسات وأصحاب الشركات، فكيف أولئك الذين كانوا يعيشون أصلاً على الهامش وفي عوز، وأضحوا اليوم أشدّ احتياجًا ممّا مضى، وقد تفاقمت الفروقات بين الناس أكثر فأكثر. لكنّنا، ومن ناحيةٍ أخرى، شهدنا على فاعليّة المنظّمات غير الهادفة للربح في تقديم التوعية الضروريّة والحلول الملموسة، والمساعدات على أنواعها، فأثبتت بذلك على أنّها الأكثر استعدادًا ونفعًا في مواجهة الحالات الطارئة.
لكن ليست تلك هي المواجهة الوحيدة اليوم! إذ نجد على جدول  التحدّيات، ذلك التحديّ البيئيّ الذي يحثّنا على إعادة التفكير بشكلٍ جذريٍّ في أسلوب حياتنا وتحديد أولويّاتنا. وأضف عليه، تحديًّا هو الأشنع على الإطلاق، عنيتُ به الحرب! الحرب التي تفتك بالناس في بقعٍ عدّةٍ من كوكبنا، منها ما صار مطويًّا في ذاكرة النسيان، ومنها ما زال متداولاً لحداثة عهده! غير أنّ جميع الحروب متساوٍ.
يا ليت الزمن يغيّبها ولو مرّةً ويصيبها بالعفن والنتانة، ف “في الحرب كما في الحرب”. هذا المثل الفرنسيّ هو تعبيرٌ يعود تاريخه إلى القرن السابع عشر، ففي أوقات الحرب، غالبًا ما تكون الموارد والوسائل محدودة ويجب على المرء الإكتفاء بالأشياء القليلة المتاحة حتّى يكافح كلّ لحظةٍ ضدّ الموت والجوع والتشرّد، ويتكيّف ويحتمل العنف والتهكّم والهلع والحرمان، هذا إن تبقّى لديه إمكانيّاتٌ لذلك. لكن لا خيار لديه، وأيُّ خيارٍ هذا وتجارة الأسلحة والمصالح الكبرى فوق كلّ اعتبار!
كيف تُعمى البصائر وتتخدّر الضمائر إزاء الطمع والمجد الباطل، والكلّ قد ابتهل للسماء، أو على الأقلّ رفع عينيه باحثًا عن عونٍ قدير، لعلّه يردُّ عنه ويلات وباءٍ أخرس حتّى أولئك المتحكّمين بمصائر الشعوب؟! ألا تكفينا كلّ تلك الدروس؟ ألم نفهم بعد عبثيّة الحروب؟ ألا نستطيع أن نفهم بأنّ الحياة كنز وهبة كبيرة ليست حكرًا على أحد، وأنّ العلاقات القائمة على المشاركة وتقديم المساعدة تجعل مجتمعاتنا أقوى وأكثر تماسكًا، وأنّ التضامن هو ركيزة سعادتنا؟ وحين أذكر كلمة “سعادة”، أنا لا أتحدّث عن سعادةٍ شخصيّةٍ متقوقعةٍ على ذاتها، وإنّما عن سعادةٍ تتخطّاها بكثير وهي أعظم منها، إنّها سعادة الجميع! في حينه فقط، نعود لنكتشف ثروة وجوديّة وثقافيّة وعلائقيّة كبيرة تحيي مجتمعاتنا وتدفعنا لنشر ثقافة العطاء، وهذا ما يمكن أن يحدث فرقًا، فالعمل في خدمة الصالح العام هو حاجة لم نشعر بأهميّتها من قبل كما هو الحال خلال في هذه السنوات الصعبة لا زالت حاضرةً وكأنّها لا تنتهي.
ريما السيقلي
Spread the love