سنتكلّم عن ثلاث طرقٍ تربويّة، ليست من تأليفي، لكنّي أستندُ عليها كثيرًا:
١- إيقاظ العقل
٢- تكوين الإرادة
٣- الإنفتاح على عالم المحبّة
إيقاظ العقل
هنا لا نرمي إلى التثقيف فقط بقدر ما نرمي إلى تنمية المهارات العقليّة لدى المستفيد.
من ضمن الوسائل المقترحة:
طريقةُ سقراط في طرح الأسئلة: أي أن تجيبَ على السؤال بسؤالٍ آخر تُعطي من خلاله مجالاً وفرصةً للمستفيد أن يفكّر، فلا يجد الحقيقة أو الحلّ خارجًا عنه، إنّما بداخله.
إثارة الإبداع عند المستفيد: بمعنى أن تُعطيَهُ معطياتٍ كثيرةٍ تُخوّله الإبداع.
(أبسط الأمور في الفنّ مثلاً) لا يفرضُ المعلّمُ فكرته، إنّما يُولي الدور الأساسيّ للطالب، فلا يتدخّل إلاّ ليُساعدَه على التقدّم في إبداعه.
ممارسة المراجعة لتثبيت النتائج المكتسبة: إنّ الأسلوب الثالث في إيقاظ العقل هو مبدأ المراجعة. فعلى المعلّم أن يُخصّص قسمًا كبيرًا من الدرس لتثبيت النتائجَ المُكتسبة والتحقّق ممّا اكتسبَهُ طلاّبُه. فليس المقصود بذلك مجرّد تكرارٍ يتناولُ الذاكرة، بل العودة إلى الموضوع نفسه بطرقٍ ووسائلَ مختلفة. غايةُ التربية تحويلُ المستفيد إلى إنسانٍ حُرٍّ يَعي أعماله ويُطوّر ذاته.
تكوين الإرادة
إنّ الفرق شاسعٌ بين شخصٍ لديه معلومات، وآخر لديه معرفة. فمَن يَجمعُ المعلومات قد لا يستخدمُها، بينما مالِكُ المعرفة يجعل تلك المعلومات حياةً له، من ناحية الإرادة، والتحدّي، والتطوّر، وبالتالي النموّ.
وإذا تعلّم شابٌّ أن يتملَّكَ نفسه، وإذا استطاع أن يقاومَ نزواته، ويضبُطَ طغيانه، كان في نظر المربّين طيّعًا لنعمة الله وناضجًا لأرقى الدعوات.
و لكن على المعلّم أن يكونَ المثلَ الصالح، أو المثلَ الأعلى، لأنّ الطالبَ يتأثّرُ بأفعال المُعلّم أكثر من أقواله، ونختم هذه الفقرة فنقول إنّ تكوينَ إرادة الولد مهمّةٌ مستمرّة، نقوم بها متفائلين بأنّ الجهد المبذول سيؤدّي إلى نتيجة، لأنّ الإنسان يستطيعُ بأيّ عمرٍ أن يُؤَثّرَ في مصيره.
الإنفتاح على عالم المحبّة
بما أنّ طبيعةَ الإنسان إجتماعيّة، فالتعليمُ يجبُ أن يكون جماعيًّا وبالتالي لا بُدّ أن يُنظَّمَ الصفّ على غرار مجتمعٍ مُصغّر، بما فيه من رؤساءٍ ومسؤوليّاتٍ ومتطلّبات، وعلى كلّ واحدٍ أن يكون في مكانه بحسب قدره. تقعُ على عاتق المعلّم مسؤوليّةٌ كبيرة: أن يجمعَ في الوقت نفسه، بين تقدُّم الصفّ وتقدُّم كلّ تلميذٍ بحسب إمكاناته، وكلّ ذلك في إطار الحبّ والإحترام. ألمقصود إذًا هو تكوين العقل والإرادة والقدرة على العيش داخل جماعةٍ حيّةٍ وأخويّة، يربطها الحبُّ والإحترام، فتكون النتيجة ليس فقط بأن يصبحَ كلُّ شخصٍ قادرًا أن يُعطيَ أفضلَ ما لديه ولكنّه يصبحُ بدوره عطيّةً للآخرين.
قصد الله
لا يمكنني أن أنهيَ معتمدًا فقط على الجانب العلميّ للتربية، وإنّما على دور الله في هذا الشأن، لذلك اخترتُ هذا المقطع من الكتاب المقدّس بحسب القدّيس مرقس (٤:٣٠)
وقال يسوع: ”بماذا نشبّه ملكوتَ الله، أو بأيّ مثلٍ نمثّله؟ مثل حبّة خردل، متى زرعت في الأرض، فهي أصغرُ سائر البذور التي في الأرض. فإذا زرعت، إرتفعت وصارت أكبر البقول كلّها، وأرسلت أغصانًا كبيرة، حتى أنّ طيورَ السماء تستطيعُ أن تعشّشَ في ظلّها”.
ماذا يقول النصّ لنا؟ إنّ الذي يستصغره الإنسان ولا يقدّره لكَوْنِهِ ضئيلاً وضعيفًا مثل حبّة الخردل، يحمل في ذاته قدرةَ حياةٍ ونموٍّ وازدهارٍ خافيةً عن العيون. بالإيمان يزرع الفلاّح حبّة الخردل في الأرض و ينام واثقًا بالحياة التي وضعها اللهُ فيها.
يدعونا النصّ إلى التخلّي عن مقاييس العالم، فالبشر يجذبهم ما هو كبيرٌ وغنيٌّ ومجيد، وأمّا الله فينظر إلى القلوب ويجدُ فيها ما زرعه من خيرٍ ومحبّةٍ وصلاحٍ وعدل. هذه هي هبة الله للإنسان، يستثمرها بحرّيّته غير معتمدٍ على قوّته، بل على نعمة مَن أعطاهُ الحياة.
جوزيف يعقوب