السعادة والحياة اليوميّة
أتساءل ما هي السعادة؟ كيف نحصلُ عليها وكيف نحافظُ عليها؟ يُقالُ إنّها مرتبطةٌ بعنصرٍ وراثيٍّ وظروفٍ معيّنة وقدرتنا على السيطرة على الذّات وعلى الأحداث …
إنّ السعادةَ مرادفٌ للراحة النفسيّة (…)، ومن ناحيةٍ أخرى إنّ العناصر التي يُعتقد عامّةً أنّها تُولّد السعادة، كالصحّة أو النجاح في العمل أو المال والممتلكات ليست من الأسباب الرئيسيّة للسعادة. لكن إذا كانت الظروف الخارجيّة لا تصنع السعادة، فعلى ماذا تعتمد إذًا؟
إنّ السعادة التي نشعر بها هي رهنُ معرفتنا لذاتنا، لقدراتنا، لما يُحفّزُنا والمعنى أو القيمة التي نُعطيها لأعمالنا. نجدُ متعةً بأعمالنا بحسب ما تحمله من معنى بالنسبة إلينا والحافز الذي يُحرّكنا. يجدُ البعض متعةً حقيقيّةً في الأمور البسيطة كقراءة مجلّتهم المفضّلة، أو وجبة طعامٍ شهيّةٍ يبدأون بها يومهم… أو نزهة في مكانٍ مُحَبَّب… أو في رسم لوحة. فكلُّ ما يُحرّك مواهِبَنا أو مَيّزاتِنا يُعزّز ثِقَتَنا بذاتنا كأشخاصٍ كفوئين ومُنتِجين(…) والأهمّ هو أن نكونَ “حاضرين” لِما نفعلُهُ الآن هنا في هذه اللحظة، وكأنّنا نتأمّل الأفقَ البعيد أو نجومَ المساء في السماء الصافية… تمامًا كما نفرحُ عندما نزورُ جارتنا المريضة أو الوحيدة، أو نقرضُ سيّارتَنا لصديقٍ أو نشاركُ بماراتون من أجل البيئة أو أيّ هدفٍ إنسانيٍّ عظيم (…)
أمّا كيف نحافظُ على السعادة؟ علينا أن نتعلّم كيف نُصغي لذاتنا، نتعرّف على ذاتنا دائمًا أكثر كما قُلنا سابقًا، ولكن، من دون التمسُّك بالفكرة التي كوّنّاها عن أنفسِنا، بل نعيدُ اكتشافَها بنظرةٍ متجدّدة، ولنُدْرِكْ أنّنا نعتادُ أحيانًا على بعض الأمور التي تُسعِدُنا فتصبح أمرًا عاديًّا لا نُوليهِ الأهميَّةَ التي يَستحقُّها. ربّما ننسى أن نفرحَ بالصحّةِ الجيّدة … أمّا السيّارة الجديدة فنفرح بها لكنّ الفرحَ يبقى عابرًا….
هل لكلّ ذلك علاقةٌ بالثقة بالنفس أو تقدير الذّات؟ في الواقع بقدر ما نقومُ بخياراتٍ تتجاوبُ مع قُدُراتِنا وحاجاتِنا المعنويّة، بقدر ما تتطوّر نظرتُنا لنفسنا، وينمو فينا رضًا داخليّ يدومُ ويترسّخ ويساهمُ بشكلٍ أساسيٍّ بالراحة النفسيّة التي هي كما ذكرنا مرادفةٌ للسعادة.
ونختم ببعض النصائح :
ـ حاولْ أن تجدَ وقتًا للقيام بأمورٍ تُفرحُك، ولا تكتفي بها، بل أعطِ معنى لما تقوم به.
ـ تعلّم الصمتَ الداخليّ كي تُصغيَ لذاتك وتكتشفَ صفاتِك: إخترْ خمسًا منها واستثمرْها لتجعلَ حياتَكَ أجمل,
ـ قُمْ بأمور “مع” و”من أجل” الآخرين، وإن كنتَ مُلتزمًا بمجموعةٍ ما، لا تنسَ أهلك، فتجد ارتياحًا وأمانًا أكثر.
مارتن سيلِغْمَنْ
مُؤسِّس علم النفس التفاؤلي