اللغة تسمح بالحوار
هل حصل لك أن تواجدتَ في جماعةٍ تتكلّمُ لغةً لا تفهمُها واجتاحك إحساسٌٍ قويٍّ من الغُربة معهم؟ وهل حصل أن تواجدتَ مع مجموعةٍ تتكلّمُ لُغَتَكَ ولكن، بمنطقٍ غريبٍ عنكَ وعن قِيَمِك فغمرك حزنٌ كئيبٌ وغربةٌ أعمق من الأولى؟
نعم فاللغة، لا بل مضمونها،هي نقطة الإنطلاق الأساسيّة للتواصل والحوار والتفاهم وبناء العلاقات، لكنّها سيفٌ ذو حدّين، قد تكون للبناء أو للدمار والخراب.
شَهِدْنا في الأيّام الأخيرة المضطربة في لبنان وعبر وسائل التواصل الإجتماعيّ، ووسائل الإعلام، من تلفزيونٍ وراديو وأنترنت… شهدنا الكثيرَ من الجرائم، إرتَكَبَتها الكلمة، من تحريضِ فئةٍ على فئة، وكلمات نابية لوّثَت حولها الأجواء كَوَباء لا يرحم، فلم يسلَمْ منهُ كبيرٌ ولا صغير، من نقل الإشاعات التي كادت أن تنفجرَ حربًا جديدة، إلى اعتماد منطق التخوين، والإتّهام… في موجة الغضب والجهل هذه، كانت اللغة التي تهدم. وصحّ فينا كلام القديس يعقوب: ” اللسان… شرارةٌ صغيرةٌ تحرق غابةً كبيرة”.
فزلّة اللسان، وإن كانت عن غير قصد، لا تعفينا من مسؤوليّتنا تجاه ضرورة وزنِ كلامِنا قبلَ إخراجِه، والطبيعة مدرسةٌ لنا، فنرى عنقَ الزرافة الطويل يدفعنا للتأكّد من الكلمة والتفكير بها قبل إخراجها، وما تمتّع الإنسان بلسان واحد، في حين أنّ له أذنين إثنتين، سوى أنّه علينا أنّ نسمع أكثر ممّا نتكلّم.
قيلَ قديمًا الإنسان بأصغرَيْه: قلبه ولسانه، ومن فيض القلب يفيض اللسان. لنستعمِلْ الكلمة التي تبني، الكلمة التي تزرع التسامح والحُبّ وتشهدُ للحقيقة محترِمَةً كرامةَ الإنسان وقيمته كونه صورة الله.
كم ولّدت كلمة تشجيعٍ أبطالاً ومُتفوّقين وزعماء وقدّيسين. كم أعادت كلمةُ حُبٍّ ضائعًا وردّت الرجاء ليائسٍ ومريض. كم من كلمةٍ سمعناها صدفةً ونحن في حالة قلقٍ وخوف، فأعادت لنا الرجاء؟
لنتمرّس على ضبطَ النفس، فإن أَحْسَسْنا أن ما سنقوله سوف يُؤذي،  لِنَحتفظْ به مهما مهما كلّف الأمر. ليكُنْ فَمُنا كنبعٍ صافٍ عذبٍ يُخْرِجُ ماءَ يُحيي ويُنعش ويعطي حياة. لِنَبْتَعِدْ عن ما يُلوّث هذا النبع ويجعل ماءَهُ نَتِنًا يُصيب كلّ مَن وما حوله.
إن أصغينا إلى صوت ضميرنا وإلى محبّتنا لإخوتنا بالإنسانيّة، نستطيع أن نضبطَ طريقةَ كلامِنا لنُصبحَ شهودًا للحقّ مساهمين في بناء الأخوّة والوحدة، فنشيّد جسورَ التواصل واضعين “كلمة الحياة” في المرتبة الأولى من كلامنا.
ليلى نصّار
profile
Spread the love