واجبٌ أم خيار ؟

 

ويعود زمنُ الصوم في كلّ سنة عند المسيحيّين والمسلمين. لماذا نصوم؟ أَبِفِعْلِ واجبٍ علينا إتمامه؟ أم بفعلٍ إختياريّ؟ بمعنى آخر، هل نُحبّ أن نصوم وبفرح؟

 

profileكتبت ليلى: ” من يقرأُ السنةَ الطقسيّة يرى أنّها تُقسَّمُ إلى أزمنةٍ تروي وتستعيد حياة يسوع العَلَنيّة من زمن الميلاد والعنصرة حتّى زمن الصليب. وخَصَّصت الكنيسة ضِمْنَها زمنًا للصوم يأتي بعد العنصرة ويستمرُّ لزمن القيامة. في هذا الزمن تدعو الكنيسةُ جميعَ المؤمنين للصوم صومًا يُشبهُ صومَ المسيح في البرّيّة أي الإنقطاع عن الأكل والشرب من نصف الليل حتّى ظهر اليوم التالي، ويُعرَفُ هذا الصوم بالصوم الكبير أو صوم الأربعين. عرف الكتابُ المقدّس في العهد القديم أصوامًا مُهمّةً كصَوْمِ موسى وشعبِ الله في البرّيّة، وصومِ إيليّا، وصوم النبيّ داوود، وكانت هذه الأصوام تهدفُ إلى التوبة والتكفير عن خطيئةٍ فرديّةٍ كما مع داوود، أو خطيئةٍ جماعيّةٍ كما حصل مع شعب الله في الصحراء. أمّا صومُ العهدِ الجديد، فقد تجدَّدَ بالمسيح كَكُلِّ شيءٍ وأصبحَ “صومًا جديدًا”، إنطلاقَتُهُ التوبة، وهذا ما يحصل في “إثْنَيْنِ الرماد”، يرسمُ الكاهنُ على جَبْهَةِ المُؤمن صليبًا من الرماد رمزًا للتوبة. إنّها الخطوةُ الأولى نحو الإرتفاعِ بالنَفْس نحو خالِقِها وتَمْرينها على التخلّي عن التَمَسُّكِ بخيرات الأرض، والتفوُّقِ على التجارب الثلاث الأساسيّة التي يُمكنُ أن تُسَيطِرَ على الإنسان، والتي غلبَها المسيحُ بِصَومِهِ في الصحراء: تجربةُ التملُّك، تجربةُ السُلطة وتجربةُ الشهوة. وكونُ الكنيسة أمٌّ تشعرُ وتعطفُ على أولادها المرضى، فهي تسمحُ لهم باستبدالِ الصومِ عن الطعامِ ببعض الإماتاتِ للجسد، كالتوقُّفِ عن الحلويات والسيجارة… وإن عرفوا أن يُقدّموا آلامَهُم مع آلام المسيح ساهموا بتقديسِ أنفُسِهِم وتقديسِ الآخرين.

هذا الزمن هو أيضًا زمنُ صلاة، لذا تُكثّفُ الكنيسة أوقاتَ الصلاة الجماعيّة ويلتزمُ كلُّ فردٍ بصلاته الخاصّة يستعينُ بها على المُثابرة في الصوم. لكلٍّ مِنّا طريقتُهُ في التعامل مع هذا الزمن، وكُلُّها تصُبُّ في قلب الله. كٌلّنا نسعى لِنَشْعُرَ بغُفرانِهِ ومَحبَّتِهِ فنتخلّى بالصوم عن الكثير لِنعودَ إلى الصحراء ونُنَمِّيَ فينا القِيَمَ الإنجيليّة لصومٍ أكثر روحانيّة، فلا نُقفِل فَمَنا عن الأكل فقط، بل عن النميمةِ والتجريحِ والشتائم والنُكَثِ الفاسدة والحشريّةِ والكراهيّة، وعن كلِّ ما يُعكّرُ صفاءَ المحبّة التي نريدُ أن نُحبَّ بها الله والقريب، كلّ قريب، فَنَفْتَحَ قلوبَنا لِقِيَمِ المحبّة والعدالة والرحمة ولبناء السلام”.

 

أمّا فاطمة فكتبت تقول: “إذا ما سَألْتَني عن أكثر شهرٍ يتوقُ إليه المسلمون فإنّ الإجابةَ حتمًا ستكونُ شهرَ رمضان. فكأنّما المحبّةَ في هذا الشهر تفتحُ جناحَيْها لتَضُمَّ الجميع وتنثرَ مَسْحوقَها السحريّ لِتَنْقِيَةِ القلوب. فالصيامُ هو صيامُ الروح قبل الجسد، هو تهذيبُ النفس وتطهيرُها ممّا زرعته الدُنيا في أَفْئِدَتِنا.

مع بداية رمضان، يتسامحُ الناس ويتصالح المُتخاصمون . فالصيامُ هو فرصةٌ لتصحيح أخطائِنا، ودربُ عودةٍ لمَنْ ضلَّ طريقَهُ إلى الله. فيه تفتحُ السماءُ أبوابَها للتوبة والغفران، فتجد الناس منشغلون بالصلاة والأَدْعِية، يقضون أيّامهم بالصيام ولياليهم بالتوسُّل إلى الباري. في هذا الشهر نشعرُ بالفقراء، فصيامُنا شهرٌ وصيامُهُم دائم، فتجد الناس يسارعون إلى إيجاد الفقراء لتقديم المساعدة رافضين أن ينامَ فمٌ جائع، فكيف بنا أن نَهْنَأَ بإفطارنا إذا ما هناك من لا يجدُ قوتَ يومه. حتّى أنّ الواجبات الدينيّة في هذه الفترة تُلزِمُكَ بذلك، ففي نهاية رمضان وقبل العيد على كلّ صائمٍ دفع “زكاة الفطر” ليُتَمِّمَ أعمالَ هذا الشهر.

رمضان هو شهر العائلة، شهرٌ يجتمع فيه مَنْ حالَتْ الدنيا دون لقائِهِم، فحتّى المُغتربون يحاولون العودة إلى عائلاتهم خلال هذا الشهر الفضيل، هو شهرٌ يهواهُ الصغيرُ والكبير، وشهرٌ تشتاقُهُ الروح، فيه أُنزِلَ القرآن وفيه يسودُ الخير، هو شهرٌ مبارك. فأللّهُمَّ بَلّغنا رمضان”.

 

ليلى نصّار وفاطمة مكّة

 

 

Spread the love