هو يُناديني
يستهلُّ البابا فرنسيس “وثيقة الأخوّة الإنسانيّة”، بمقدّمةٍ تفتحُ آفاق عالمنا على أهميّة عيش الوحدة والعمل معًا من أجل بناء ثقافة الإحترام المتبادل إنطلاقًا من وَعيِنا أنّنا كلّنا إخوّة.
تلي هذه المقدّمة جملةٌ تَستَوقِفُنا إذ، بابتهالِها إلى الخالق، تدعونا لنَتنبَّهَ إلى الدعوة التي تُميّزنا كبشر. وأجرؤ أن أقول لِنَنْتَبِهَ إلى دعوتنا الوحيدة، أي عيش الأخوّة، فمِنها تنبعث الحياة لتمتدَّ إلى الأجيال القادمة، إذ تقول: “باسمِ الله الذي خَلَقَ البَشَرَ جميعًا مُتَساوِين في الحُقُوقِ والواجباتِ والكَرامة، ودَعاهُم للعَيْشِ كإخوةٍ في ما بَيْنَهم ليُعَمِّروا الأرضَ، ويَنشُروا فيها قِيَمَ الخَيْرِ والمَحَبَّةِ والسلام”.
هي دعوةُ توادٍّ ومحبّة، هي دعوة تواصلٍ وتضامنٍ وصداقة، هي دعوةُ لقاء. علينا أن نعرفَ كيف نلتقي، وكيف نتمرّن على توسيع القلب وجَعلِهِ قادرًا على الترحيب بالجميع في تنوّعهم ومحدوديّاتهم، في بؤسهم وتمايزهم، حتّى يمتلىءَ يومُنا بخدماتٍ ملموسةٍ ومتواضعةٍ وذكيّة، تُعبّر عن إيماننا بهذه الأخوّة، فنرى السلام ينمو من حولنا.
عندما يلتقي شخصان، هما عالمان يلتقيان، وعليهما أن يتعلّما كيفيّة التلاقي عبر مساحاتهما وفي أوقاتهما ومن خلال احتياجاتهما، وعليهما مواجهة صعوبات العلاقة حتّى الوصول إلى مشاركةٍ ناشطةٍ تليق بالحياة معًا، فلكلّ منهما طبعُهُ وماضيهُ وبيئتهُ.
الآخر موجودٌ دائمًا… ويناديني! والأمر متروكٌ لي؛ فإمّا أن أختارَ استقبالَهُ فلا أخاف منه ولا أشعر أنّه يغزو عالمي أو يشكِّل خطرًا عليَّ، وإمّا أن أختارَ استبعادَه. ولكن، فلأُدرِكْ أنّ استبعادي وَلَوْ لشخصٍ واحدٍ خلال نهاري، هو إقرارٌ بفشلي بعيش الأخوّة والإيمان بها.
الآخر يناديني دائمًا، ويمكنني توجيهَ نظرة ازدراءٍ للسيّدة التي تحاول التسلُّلَ إلى خطّ الإنتظار أمامي، كما يُمكنني أن أتعاطفَ مع أولئك الذين يُخبرونني عن مرضهم أثناء تواجُدنا في قاعة الإنتظار أمام عيادة الطبيب. كلُّ علاقةٍ آنيّةٍ أم لا، هي رباطُ أخوّةٍ لو أردتُ ذلك، فالرباطُ يعني القُربَ مِمّن ألتقيه والثباتَ في علاقتي به. هو تمرينٌ دؤوبٌ ومتطلّب، لكنّه وقبل أن يلغيَ العزلة والهامشيّة والشعور بالظلم عند الآخر، هو يلغيها في نفس صاحبه لِيجعلَهُ يختبر سعادةً حقيقيّةً تنبعُ من الداخل.
إنّ البقاء ليس للأقوى إنّما لمن يعرف كيف يحمل على راحتَيْه وفي حياته من كان مُستضعفًا ووحيدًا…
أختمُ بما جاء في خطاب قداسة البابا فرنسيس إلى الدبلوماسيّين المعتَمدين لدى الكرسي الرسوليّ بمناسبة اللقاء السنويّ في ٨ شباط / فبراير٢٠٢١: “أعتقد، يقول البابا، أنّ الأخّوة هي العلاجُ الحقيقيّ للجائحة وللكثير من الشرور التي أصابتنا. الأخوّة والرجاء هما بمثابة أدويةٍ يحتاج إليها العالم اليوم، مثل حاجتِهِ للقاحات”.
ريما السيقلي
Spread the love