ليست هديّةً لعيد الأمّ
أراسلكِ هذا العام وأنا أقطع إحدى خطوط الطول ودوائر العرض، في مكانٍ ما بين الأرض والسماء. حاولت النوم ولكنّني لم أستطع، فشبح الواقع يطاردني بحقيقةٍ هي الأقسى على قلبي، وهي أنّي لن اراك في واحدٍ من أهمّ أعياد السنة، عيد الأمّ.
حاولت التفكير بطريقةٍ تجعلني أقرب إليكِ في هذا العيد، وبهديّةٍ تليق بامرأةٍ مثلك، بعيدًا عن هدايا عيد الأمّ المبتذلة التي اعتدتُ أن أهديكِ إيّاها، ولكنّي فشلت. فلا هديّة، مهما بلغت قيمتها، كافيةٌ لتفيَ حقّكِ ولا امرأةٌ في الوجود مثلك. أَأُهديكِ زهوراً؟ وما ذنبُ الزهور لتخجلَ إذا ما حملتها الزهرة الأجمل. وكيف أهديكِ العطور، والعطور من ريحانكِ تتعطّر، أو أهديك المجوهرات وهي التي تتحلّى إذا ما ارتديتها في معصميكِ؟
فكّرت في الكتابة، ولكن حتّى في ذلك فشلت. لم تخنّي كلماتي يومًا ولكنّ قلمي انحنى أمام عظمتك، وحروف الأبجديّة تبعثرت حين كتبت كلمة أمّي.
حاولت التفكير، ماذا أكتب لك؟ أنت تعرفيني أكثر من نفسي، أنتِ من علّمتني أن أكون أنا. لقد علّمتني الألف وباء الحبّ، ومسكتِ يدي وأنا أرسم شمسًا في زاوية الورقة، وكنتِ أنت الشمس التي أنارت دفتر حياتي. أولى خطواتي كانت على ركبتيك، وحينما بدأت أرى العالم رأيته من خلال عينيك، رأيت عالمًا مليئًا بالحبّ والعطاء والتضحية، والأهمّ أنّه عالمٌ مليئٌ بقلب أمّي، بقلبٍ يسع الكونَ بما فيه.
فكّرتُ طويلًا بما أكتب ولكنّي لم أستطع أن أكتب أكثر من كلمة أمّي. فلغاتُ العالم أجمع ليست كافيةً للتعبير عمّا في قلبي، ولا توجد كلمةٌ تحمل في طيّاتها معانٍ أكثر من كلمة أمّي. ولكنّك أمّي، تشعرين بما في داخلي دون أن أتكلّم. فيا أمّي، لن أطيل الكلام هذا العام، فهذه ليست هديّةً لعيد الأمّ. ولكنّي هذا العام في عيدك سأهدي نفسي دعوةً، أن يحفظك لي الباري ولا يدعني أرى فيك مكروهًا، فيحميك من كلّ داءٍ أو حزنٍ أو ألم، وأدعو الله أن يحفظ أمّهات هذا العالم ليبقى في العالم حبٌّ وجمالٌ ورأفةٌ وعطفٌ وحنان، ورحم الله كلّ أمٍّ حُرم منها أبناؤها، وكلُّ عامٍ وأنت الخيرُ يا أمّي.
فاطمة مكّه
Spread the love