في حضور الله

ما أروع أن تكون أنت أداةً للحوار واللقاء بين الأفراد والجماعات، وبين الطبقات الإجتماعيّة، والأحزاب السياسيّة، وبين الأديان، فتقوم وبعزمٍ بأفضل الممارسات لدعم ذلك حيث وجدت.
دعوني أخبركم بهذه الحادثة التي جرت في شهر رمضان المبارك: “كنت أقوم بنزهةٍ على الأقدام في وقت الإستراحة كما جرت بيَ العادة، فوقعتُ وكسرت معصمي. عرض مديري نقلي إلى غرفة الطوارئ، لكن بسبب ضغط العمل رفضت، وطلبتُ سيّارة أجرة. ساعدني السائق في فتح الباب وإقفاله. ثمّ طلبت منه أن يعذرني إن بكيتُ أو صرختُ أثناء الرحلة بسبب الألم الشديد، فأنا لا أقصد أن أزعجه وأشتّت انتباهه أثناء القيادة. أمّا هو فكان متحمّسًا لمساعدتي في تخفيف الألم وراح يحدّثني حتّى أتناسى لو بعض الشيء ألمي. تفاجأ بأنّني أعرف الكثير عن الإسلام، فأخبرته بأنّ لديّ أصدقاءً كثر مسلمين ورائعين.
فجأةً راح العطش يتآكلني والوجع يزيد من حدّته، فسألته لو كان بإمكاننا التوقّف عند متجرٍ لشراء المياه المعدنيّة. وبكلّ ترحاب، توجّه إلى محطّة وقود واشترى ليَ الماء، وفتح الغطاء، فهو يعلم أنّني غيرُ قادرةٍ على ذلك. في نهاية رحلتي، أردتُ أن أضيف إكراميّةً له على المبلغ المتوجّب دفعه، ولكنّه أجاب: “لا حاجة لذلك، وأدعو الله أن تتحسّني”. وأضاف: “إذا كان بإمكان المسلم والمسيحيّ إحترام بعضهما البعض كما فعلنا للتوّ، فلن تكون هناك أيّة مشكلةٍ في هذا العالم. أجبته بعفويّة: “ليباركك الله ويحفظك”. شكرته وشكرت الله من أجله.
يمكننا أن نتشارك مع جيراننا وزملائنا ما نعيشه حول فنجان قهوة أو خلال محادثة في سوبرماركت الخ… حين ننتقل إلى ما أبعد من الحوار، أي إلى حوارٍ عمليّ، تسقط حينئذٍ القوالب النمطيّة فلا نعود ضحيّة من ضحاياها با نتحرّر وننطلق في علاقة صداقةٍ واحترامٍ مع الجميع.
فدعونا لا نهرب من الأزمات والصدامات والخلافات بل لنَسْعَ في إيجاد القواسم المشتركة. من الضروريّ أوّلاً وقبل كلّ شيء تنمية ثقافة الثقة وتعلّم كيفيّة وضع ذواتنا مكان الآخَر، سوف يساعدنا ذلك ودون أدنى شكّ، للتخلّي عن الأحكام المسبقة وإذلال الصعوبات. هذا التمرين الحواريّ، إذا تمّت ممارسته بالكامل، يغيّرنا أيضًا، لأنّنا بدل النظريّات العقيمة وغير المجدية، نجد نفسَنا في حضور الله الموجود في هذا الآخر، والله سينقّي قلبنا ويبدّل وجهات نظرنا.

ريما السيقلي

Spread the love