فقدتُ كلَّ شيء
كنت في رحلةٍ إلى إنكلترا حين تسنّى لي أن أشاركَ في “الماريابولي”، اللقاء الصيفي للفوكولاري، حيث عشتُ اختبارًا قويًّا وعميقًا. أذكرُ أنّني كتبتُ رسالةً لصديقٍ شيوعيّ، قلتُ له إنّني وجدتُ طريقةً لتغيير المجتمع، أقوى من أيّ سلاح، وهي المحبّة!
بدأتُ أعيشُ هذه المحبّة في عائلتي، مع الجيران والأقرباء، وأهتمُّ بكلّ محتاجٍ ألتقيه. أحبُّ من دون مقابل، على مثال مريم العذراء التي تركت كلَّ شيءٍ لتذهبَ إلى زيارة نسيبتها أليصابات وتخدمَها، بمحبّةٍ متجرّدة. كما أنّي غيّرتُ مساري الجامعيّ لأتخصَّصَ في العمل الإجتماعيّ وأصبحتُ مساعدًا إجتماعيًّا.
أدركتُ يومًا بعد يومٍ أنّه إن أردتُ خدمةَ الإنسانيّة، فالطريقُ الأفضل هو أن أكرّسَ ذاتي لله، لذا اخترتُ أن أقومَ بذلك داخل جماعة الفوكولاري. وهكذا كان. كانت سنوات رائعة وغنيّة بالنشاطات والمشاريع المُلْهِمَة والمُحَفِّزة… إلى أن، وبسبب عطلٍ في درّاجتي وقعتُ أرضًا أقضُمُ التراب. كانت السقطة قاسية وتسبَّبَتْ بكِسرٍ في خرزات الرقبة. عندما استعدتُ وعيي، شعرت فورًا أنّ كلَّ شيءٍ هو محبّة، محبّة خاصّة من الله لي! وبنعمةٍ من محبّته لم أُصَبْ بالشلل ولم أفْقِدِ الحياة كما توقّع الأطبّاء!
أمضيتُ أربعة أشهرٍ في المستشفى. تحمّلتُ آلامًا كثيرة، لكنّني في الوقت نفسه اختبرتُ فرحًا لم أعرفْهُ من قبل. كنت أشاركُ المرضى من حولي آلامهم: “جوليو” كان لا يقوى على الحراك ولا يستطيع الكلام بشكلٍ واضح. ساعدتُهُ يومًا بعد يوم بأمورٍ صغيرة، ونشأتْ بيننا صداقةٌ جميلة. دعوتُهُ يومًا إلى جلسة لعب الورق مع بعض المرضى، لكنّه أجابني: “أنا اليوم أريدُ أن أحضرَ القدّاس الإلهيّ معك!”. وكيف لي أن أنسى “ماريو” عندما أخبرني بوجهٍ بشوشٍ وابتسامةٍ جميلة قائلاً: “أتعلم؟ يبدو أنّني مصابٌ بمشكلةٍ جديدةٍ في عيني هذه المرّة!”، هو الذي كان من المرضى الأكثر قلقًا وخوفًا من المرض!
علّمتني خبرتي هذه كيف “أفقد” أو “أتخلّى” عن كلّ شيء، على مثال مريم العذراء التي فقدت إبنها… لكنّ اللهَ أعطاني كلَّ شيءٍ والمئةَ ضعف: أدخَلَ فرحَهُ الدائم في نفسي.
فرانشسكو ـ إيطاليا
Spread the love