عيدٌ ماسيّ
ما هو دور الثقافة في خضمّ الأزمات التي نعيش، مثل جائحة كورونا أو ظاهرة الإحتباس الحراريّ أو ندرة المياه وغيرها؟
في عصرنا اليوم نبحثُ عن إجاباتٍ ونبحثُ عمّا يجعلنا نواكبُ التطوّر، لكنّنا نعتقد بأنّه تكفينا بعض الأوقات التي نمضيها على وسائل التواصل الإجتماعيّ مع ذهنٍ شاردٍ في أغلب الأحيان، دون البحث عمّا يُغذّي ويصقلُ نفسنا وعقلنا في آن. لذا دعني أحدّثكَ عن الثقافة التي تختبىءُ أكوامًا بين رفوف مكتبة! أين؟ في مكتبة مصر الجديدة العامّة التي تحتفل في هذا الشهر بعيد يوبيلها الماسيّ. أجولُ بنظري بين تلك الرفوف وأضيعُ بين كتب الأدب والرسم والفنون والرياضة… فأقول إنّه بين تلك الصفحات تعبيرٌ عن وجودنا في العالم، وليس بطريقةٍ فرضيّة، إنّما بطريقةٍ تُحاكي الواقع، وما أغناها. فتلك الأدواتُ البصريّة لا تشيبُ مهما كان عمرُها، بل تجعلُكَ تتجاوزُ عبرَها حَرْفيّة التجربة المُعاشة، فيكون بمقدورِكَ فَهْمَ الأحداث والمعاني، والتمكّن من إيجاد إجاباتٍ حول تساؤلاتٍ تحدُّ من تقدُّمِك. دورُها تمامًا مثل دور لاعب كرة قدمٍ جيّدٍ يُمرّرُ الكرة، ليس لِتَرْكِ بصمةٍ في التاريخ في كلّ مرّة، ولكن لتحريك اللعبة وتقدّم المباراة، أي من أجل الآخرين.
نعم، إنّ مطبوعاتِكِ تُهدي كلماتٍ تحملُنا إلى الغوص في غور كياننا، فتوقظنا من سباتنا الناتج عن خوفنا من التعامل مع حقيقة الواقع. وعلاوةً على ذلك، إنّ المطالعة تجعلُنا نهيمُ في عالمٍ من المعاني يُسهّلُ علينا قراءة ما يُحيطُ بنا وما يجولُ في داخلنا بطريقةٍ جديدةٍ وعميقة، جميلةٍ وراقية. كما النحّاتُ بإزميله يجعل الحجرَ ينطق، هكذا تحملنا الثقافة إلى تهذيب وتنشئة روحِنا وإنسانيّتِنا.

بدايات مكتبة مصر الجديدة العامّة كانت مع وضع حجر الأساس في شهر نوفمبر من العام ١۹٤٥ في عهد الملك فاروق، وسُميّت فى ذلك الوقت بمكتبة الأميرة فريال التابعة لجمعيّة مكتبة الأميرة فريال بمصر الجديدة، وقام الملك فاروق بافتتاحها يوم ٢٠/١١/١۹٤٦. أمّا في العام ۱۹۸۱ فقد أعادت جمعيّة تنمية خدمات مصر الجديدة إحياءها بتصميمٍ جديد، وتمّ افتتاحُها في ٢٧/ ٦/١۹۸٤ بحضور السيّد محمّد حسني مبارك الرئيس السابق والسيدة سوزان مبارك حرمه. بلغ عدد الكتب عند الإفتتاح عشرة آلاف كتاب باللغة العربيّة والإنجليزيّة والفرنسيّة، كما تمّ إنشاء نادي السينما وتوسيع مسرح المكتبة وإنشاء مبنى جديدٍ لمكتبة الطفل، دون أن ننسى إنشاء مركز الكومبيوتر والمقهى الثقافيّ ومركز اللغات.

إنّ قائمة الأنشطة طويلة تطالُ كلَّ الفئات والأعمار، من ورش متخصّصة بالمسرح والخطّ العربيّ وغيرها ومعارض فنيّة، إلى دوراتٍ تعليميّة في العلوم والرياضة والفنّ عامّةً، ودوراتٍ لتنشيط المهارات الذهنيّة، وكورساتٍ في التسويق الإلكترونيّ والخياطة والتطريز والرسم والتصوير الفوتوغرافيّ، دون الإشارة إلى ندواتٍ وحفلات توقيع العديد من الكتب والأعمال الأدبيّة.كلّ ذلك يجعل من يقصد هذه المكتبة يفهم الجمال الذي يكمنُ فيها، ففي خضمّ الكثير من الأخبار المُشوِّشة، هناك حاجةٌ إلى صوتٍ هادئٍ وفعّالٍ مثل صوتِك. أنا أرفض الأشياء الحمقاء لأنّها تذلّني، ولا تجعلني أتقدّمُ عن مكاني شبرًا واحدًا، لذا أقولُ لكِ، وبإسم الكثيرين، إستمرّي في عطائكِ، فالثقافةُ جمالٌ وحافزٌ للتَوْق إلى الأفضل، فلا ندعنَّ فجوة ً بين الثقافة والحياة، وكلُّ عيدٍ وأنت بألف عيد، متباهيةً بجمال خُلُقِكِ وكنزِ مودعاتِك.

ريما السيقلي

Spread the love