سِمسِم وحبّات الذّرة
سِمسِم فأرٍ يعيشُ في حقلِ ذرةٍ قريبٍ من الغابة، يمضي وقته وهو يحرس الحقلَ خوفًا من فئران الغابة الجائعة التي تحاولُ أن تحصل على الذّرة لإطعامِ صغارها فيسرعُ الفأرُ سِمسِم إلى التّلويحِ بأغصانِ الشّجر كي يُخيفهم فيهربوا فيبقى هو المسيطر الوحيد على هذا الحقل. كان الفأرُ سِسمسِم أنانيّا لا يفكر إلا بنفسه يطمعُ في الحصول على كلّ الذّرة الموجودة في الحقلِ دون أن يسمحَ لأحدٍ بأن يحصلَ ولو على حبّةِ ذرةٍ واحدة بالرّغم من أنّ حقل الذّرة ليس ملكًا له بل زرعه الفلاحُ الذي يملك هذه الأرض.لم يهتمّ سمسم يومًا بجوع الآخرين ولا بمعاناتهم فالمهمّ لديه هو أنّه يكفي ذاته ويُخزّنُ ما يفيضُ من محصولٍ في بيتِه الذي بناهُ من ورقِ الشّجر، أمّا الفئران الأخرى فقد كانت جائعة تبحث عن فتاتٍ لإطعامِ صغارها.
ذات يومٍ زاره صديقه الفأر كركور وطلب منه أن يعمل لديه في حقل الذّرة فيجمع له ما يمكن من المحصول وينقله إلى بيت سمسم مقابل حصوله على الطعام. وافق سمسم واشترط عليه بأن يأخذ كلّ يومٍ حبّةَ ذرة واحدة مقابل عمله فوافق الفأرُ المسكينُ وبدأ يعملُ طيلةَ النّهار بجهدٍ كبير وينتظرُ مغيبَ الشّمسِ كي يأخذَ حبّةَ الذّرة إلى عائلته التي تنتظره بفارغ الصّبر. أمّا سمسم فكانَ في المساء يأكلُ ويأكل حتّى يمتلئ بطنُه، فيستلقي على الأرض يُمتّع نظره بحبّات الذّرة الكثيرة المخزّنة في منزله، ويبقى على هذه الحالة حتّى ينام.
لم يكتفِ سِمسِم بما لديه فكان كلما زاد المحصول زاد طمعه بأن يُخزّن أكثر فأكثر حتّى امتلأ بيته ولم يبقَ له مكان يتّسع له كي ينام فيه، فانتقل إلى النّوم عند الباب على حجرٍ قريبٍ من منزله. كان طمعه يزداد يومًا بعد يومٍ وأصبح همّه الوحيد زيادة كميّة الذّرة التي يحتفظُ بها، فكلما جمع عددًا من حبّاتِها كان يطمع بالمزيد حتّى أوصله طمعه إلى البخل الشّديد فكان يحرمَ نفسه من أكلها كي لا ينقص عددها، فيجوع ويعاني من أجل المحافظة عليها ويُجبر نفسه على النّوم خاوي المعدة وهو ينظرُ بحسرةٍ إلى حبّات الذّرة. مضت الأيّام وبدأت صحّته تتراجع وجسمه بدا نحيلًا جدًا من قلة الغذاء، وبدأ يمشي بثقلٍ فيجرّ جسمه الذي لا يقوى على حمله وظهر المرض على ملامحه. بالرّغم من كلّ هذا لم يتغيّر سِمسِم واستمرّ في تعلّقه بجمع الذّرة فكان هذا الأمر أهمّ من حياته، حتّى وصل به الأمر إلى خفضِ أجرةِ صديقه كركور فبدل من حبّة ذرة كاملة إلى نصف حبّة في اليوم فقط بدل أتعابه بالكاد تكفي حاجة عائلته الجائعة. بالرّغم من ذلك استمرّ كركور المسكين مثابرًا على عمله اليومي رغم قلّة مردوده ورغم تحذير الأصدقاء له بأنّه يتعرّض للاستغلال فعمله غير متساوٍ مع أجرته، كان دائمًا يبتسم لهم ويردّد بأنّها نعمة أن يجني طعامه بعرق جبينه مهما كان قليلًا.
ودارت الأيّام وحان موعد الحصاد وبدأ الفلاّحون يقصدون أراضيهم بالآلات الزراعيّة الكبيرة كي يجمعوا محاصيلهم قبل بدء الشتاء. إستيقظ سِمسِم على صوتٍ مزعجٍ فقفز مذعورًا ونظر من بعيد، فتفاجأ بآلةٍ حديديّةٍ ضّخمةٍ تعبر حقل الذّرة فتقطع النّباتات من جذورها. خاف سِمسِم على محصوله الذي جمعه في بيته فركض مسرعًا كي يُخرِج كلّ الحبّات التي يحتفظ بها لينقلها إلى مكانٍ بعيدٍ وآمن، لكن كركور حذّره بأنّ الآلة تتّجه نحوهم ولم يعد لديهم الوقت الكافي لهذا العمل وما عليهم سوى أن يهربوا قبل أن تدوسهم. لكنّ سِمسِم أصرّ على البقاءِ قرب منزله وما هي إلاّ لحظات حتّى كادت الآلة الحديدية أن تدوس على سِمسِم فسارع كركور وحمله وقفز به بعيدًا عن دربِها. بعد لحظاتٍ قليلة إستوعب سِمسِم الذي حدث فغمر صديقه باكيًا وشكره لإنقاذه حياته، وكان سعيدًا جدًّا بالرغم من أنّه فقد بيته وفقد معه كلّ محصوله لكنّه أدرك أنّ الصداقة أغلى من كنوز الأرض وأنّ الحياة لا تُقدّر بثمن.
هلا قسطنطين
Spread the love