روح الخدمة والخير المشترك
إنّ مفهومَ الشأن العام يخصُّ كلّ القضايا التي ترتبطُ بصفةٍ مباشرةٍ بالحياة اليوميّة للمجتمع. ويتمُّ تدبيرُها من جهة القوانين التي تَنُصُّها الدولة والهيئات العامّة بالنسبة إلى الخدمات على أنواعها، من صحّيةٍ وإجتماعيّةٍ وتربويّةٍ وثقافيّةٍ وإداريّةٍ وغيرِها.
وقبل الغوص في الخبرات التي عاشها ويعيشها بعض الأشخاص الملتزمين في العمل من أجل خير المجتمع، إليكم بعض الأفكار التي تُرَسّخُ جذورَ هذا الإلتزام في إرادة الله والإيمان إجمالاً:
• يُلِحُّ الإرشادُ الرسوليّ من أجل لبنان على المشاركة في الحياة العامّة قائلاً: “لا يجوز للعلمانيّين التخلّي عن المشاركة في النشاطات الإقتصاديّة والإجتماعيّة والإداريّة والثقافيّة والتشريعيّة التي تهدفُ إلى الخير العامّ”.
• ويقول إدجينو جورداني: “بالنسبة إلى المواطن، تتوجّه المحبّة المسيحيّة إلى خدمة الجماعة. لا تسمحُ أخلاقيّاتُ المؤمن أن يبقى غيرَ مُبالٍ تجاه الأشخاص وتجاه الوطن على حدٍّ سواء. المحبّةُ تعني الخدمة. الشعورُ هو المحبّةُ والعملُ بها هو الخدمة”.
• ويُقال أيضًا: إنّ الشعبَ “الجيّد” والمؤمن، يَنْعَمُ بحكومةٍ جيّدة، تمارسُ سياسةً جيّدة، وتخلقُ مواطنين صالحين. وقد يكون أيضًا في صحّةٍ أكثر جودة”.
علينا أن نكونَ مستعدّين للعمل من أجل شفاء مدينتنا ووطننا والإنسانيّة من أمراضها، بدل أن نهدُرَ الوقت بالإدانة والتذمّر…
• يتوجّه البابا بندكتوس السادس عشر إلى الشباب مؤكّدًا: “إنّ العالمَ بحاجةٍ إلى رجالٍ ونساءٍ ذوي جدارةٍ وسخاء، يضعون أَنْفُسَهُم في خدمة الخير العامّ المشترك، يتثقّفون بجدّيَّة… طوِّروا مَواهِبَكم، وضعوها في خدمة القريب، من دون تردّد. ساهموا في جعل المجتمع أكثر عدالة. وَلْتُوَجّه روحُ الخدمة حياتَكُم، بدل البحث عن السلطة أو النجاح المادّي والمال”.
طرحنا بعض الأسئلة على رجينا أبي كرم وهي عضوٌ بلديّ في بلديّة قرنة شهوان، عين عار، الحبوس وبيت الككّو.Regina-for-web

• ما الذي حَمَلَكِ على الإلتزام بالعمل في الشأن العام من خلال المجلس البلديّ؟• شاركتُ مرّةً في مخيّمٍ صيفيّ، وكان شعارُهُ “مدينةٌ واحدةٌ لا تكفي”. وخلال حلقة حوارٍ كانت الأسئلة تدورُ حول نظرتنا إلى البيئة، فجاءت الأجوبةُ والتعليقاتُ سلبيّةً. منهم من لامَ الدولة، ومنهم من تذمَّرِ من النفايات وآخرون انتقدوا الطرقات، والكهرباء والماء … كنت أستمعُ ولم يكنْ لَدَيَّ أدنى فكرةٍ عن الشأن العام أو العمل البلديّ، ولم أعمل أبدًا في هذا المجال في بلدتي. عندما فُسِحَ لِيَ المجال لإبداء رأيي، قلتُ بعفويّة: “كلُّنا نتذمّر لكنّنا لا نقومُ بأيّ عملٍ فِعْليّ”، وعاهَدُتُهُم بالترشُّح إلى انتخابات البلديّة المُقبلة من دون معرفةٍ بأهميّة هذا العمل وصعوبته. وبعد عامٍ قال لي زوجي إنّ هناك مجموعةَ أشخاصٍ جُدُدٍ يترشّحون للمجلس البلديّ ويريدون التغيير، وحفّزني على المشاركة لأنّني أحبُّ الشأنَ العام. فأجَبْتُهُ: “ماذا تعني بالشأن العام؟ أنا أحبُّ النشاطات، أحبُّ الخدمة، لديّ روحُ الكشّاف”. لكنّي وافقتُ على الترشُّح وكانت أوّلُ تجربَةٍ لي.

• هل يُمكنُ للبلديّات أن تقومَ بعملها من دون دعم اﻷحزاب السياسيّة؟

• إنّ السياسة موجودةٌ حتّى في البلديّات، بخاصّةٍ إذا كانت الأحزابُ ناشطةً في البلدة. ولكنّني أشهدُ أنّنا في بلديَّتِنا، رئيسًا وأعضاء، بالرغم من انتمائنا الحزبيّ المختلف، لم نَدَعْ أيَّ شيءٍ يُفرّقُ بيننا، وساهمنا لكي يكونَ دَوْرُ الأحزاب إيجابيًّا نحو الخدمة ولمصلحة المجتمع، دورًا للبناء، لأنّه قد يكونُ للأحزاب دورٌ سلبيٌّ لا يُمكِنُ احْتِواؤُه. أتمنّى أن نستطيعَ كمجموعةٍ الإستمرار في هذه الروح.

• هل تلحظين اهتمامًا لدى الشباب بموضوع المشاركة أو الالتزام بالعمل في الشأن العام؟ كيف يُمكنُ تَنْشِئَتَهُم وتحفيزهم على ذلك؟
عندما بدأت، كانت نظرتي هي نظرةُ الناس، أي إنّ البلديّة هي مكانٌ لتخليص المعاملات والروتين الإداريّ، مكانٌ لا حياة فيه، لكنّ العنصرَ النسائيّ مُهمٌّ جدًّا في العمل البلديّ. فَبَعْدَ خِبْرَةِ ستِّ سنوات، لاحظتُ أهميّةَ التواصُل مع الناس. كنّا ننفتح على المدارس، على الشباب وعلى النوادي، ونبني علاقةً مميّزةً مع الجميع. من خلال علاقتنا مع المدارس استطعنا أن نُحوّلَ حِصّةَ التربية المدنيّة عن موضوع البلديّات من مادّةٍ للحفظ إلى مادّةٍ حيّة، من خلال عروضٍ وشرحٍ تفصيليّ، وتنظيم زيارةٍ للمبنى البلديّ ومشاركة الطلاّب في النشاطات والخدمات الاجتماعيّة. فأصبحَ الطلاّبُ مَعنِيّين، وأصبحَ للبلديّة “وجهٌ” جديد.
أمّا بالنسبة إلى الأنْدِية، وعلى الرغم من عدم وجود دورٍ للبلديّة فيها، فنحن أوّل من يُشجّع ويساهم ويدعم النشاطات الرياضيّة أو الثقافيّة.
على البلديّة أن تُظهِرَ ما لدى البلدة من كنوز، الأرض هي كنز، الطبيعة هي كنز، كذلك المُبْدِعون من أبناء البلدة هم كنز. فقد قامت البلديّة بتكريم الأستاذ فارس الزغبي والمخرج ريمون جبارة قبل وفاتهما وكانت فرحتهما كبيرة. وهكذا قُمْنا بأعمالٍ عدّةٍ لها الكثير من الإنعكاسات الإيجابيّة على الشبيبة، وإن لم يكونوا معنيّين بها مباشرة، لكنّهم يشعرون أنّ البلديّةَ تهتمُّ لا لبناءِ الحجر وحسب، بل لبناءِ شعبٍ وثقافةٍ أيضًا. إنّ خلق هذه الديناميكيّة هي التي تُساهم في التقرّب من الشباب وخَلْقِ مفهومٍ جديدٍ للعمل البلديّ.

• كيف تواجهين الصعوبات والنزاعات التي تعترضُكِ في هذا النوع من العمل؟
من المؤكّد أنّ هذا النوع من العمل لن يرضي الجميع. حتّى ضمن المجلس البلديّ، لكلّ شخصٍ رأيُهُ الخاصّ والحُرّ. وإذا لم نخلق نوعًا من الوحدة بين الجميع، يتعطّلُ كلُّ شيء. هناك بعض المشاريع تستغرق وقتًا للمُداولة أكثر من مشاريعَ أخرى. هناك مشاريعُ صعبةُ التحقيق ومشاريع تستغرقُ وقتًا للإنطلاق. من هنا نتعلّم المُثابرة والصبر، نتعلّم أن نَنْفَتِحَ أكثر على الناس. مثلاً في موضوع النفايات بدأت الناس بالتذمُّر، ماذا يُمكن للبلدية أن تعمل، هي مثلُ أيّ مواطن، ولكنّنا بدأنا بالوقوف عند آراء الناس ومطالِبِهم ومَخاوِفِهم، وأقَمْنا اجتماعاتٍ مع السكّان لإيضاح إمكانيّة العمل البلديّ وآليَّته. إنّه عملٌ شاقّ، لكن علينا التعامُل أكثر وأكثر مع الناس، كما علينا أن نكون حازمين في بعض الأماكن، وأن يغلبَ القانونُ والمصلحةُ العامّة على المصالح الفرديّة.

• كيف تُقيّمينَ التواصُلَ مع أهل البلدة حول المشاريع التي تتطلّبُ وقتًا طويلاً إجمالاً؟
إنّ العمل البلديّ يتطلّبُ من المجلس البلديّ قُدرَةً على الاحتمال، خصوصًا بالنسبة للمشاريع الطويلة الأمد. فالعمل مع المتعهّدين ومع الدولة يأخذُ حيّزًا من الوقت ومراحل عديدةً للإنجاز. إنّ المثابرة والتحمُّلَ والعزمَ وعدم الاستسلام وإعادةَ الكرّة، هي الصفات الأساسيّة التي علينا التحلّي بها في المجلس البلديّ لإنجاح المشاريع، فبعضُ المشاريع تَسْتَدْعي أن نُناضِلَ من أجل تحقيقها. من هنا نلتزم بعقد الاجتماعات المتكرّرة، وطرح المواضيع بطرقٍ مختلفة، والاستماع الى أفكار الناس وآرائهم ومطالبهم، وشرح الخطوات لهم، وإيجاد حلولٍ جذريّةٍ تُرضي الأغلبيّة، وتعطي دفعًا للبلديّة عبر طريقةٍ دينامكيّةٍ ونظرةٍ طويلة الأمد، نظرة مستقبليّة. فكلُّ عملٍ آنيٍّ لا يعطي أيّة نتيجة، علينا أن نبنيَ للمستقبل. نبدأ بعملٍ صغير على أمل أن يكبر.

• ما هي أهمّ اﻹنجازات التي حَقَّقْتِها خلال السنوات السابقة؟
إنّ وجودَ فريقِ عملٍ مُتكامِل، يتحلّى بالحماس والرغبة لإنجاز المشاريع والنشاطات بنجاح، يخلق أجواءً إيجابيّةً للعمل. فنجدُ عند البعض إبداعًا ، وعند آخرين نظرةً شموليّةً وقدراتٍ تكنولوجيّة. فإذا كان لدينا الحماس لإنجاح فكرةٍ معيّنة، يكونُ النجاحُ للجميع. ومن ناحيةٍ أخرى كان هناك تفعيلٌ لدور أشخاصٍ من خارج المجلس، فتقرّبوا من البلديّة، وأصبح الجميعُ معنّيًا بنجاح العمل. إنّ للبلديّة دورٌ مهمٌّ في أن تكون خلاّقةً ولديها وجهٌ إنسانيٌّ في آن.

أمّا رئيس بلديّة عينطورة، المهندس لبيب عقيقي، حدّثنا عن خبرته قائلاً:
“من الأساس كنتُ أتعاطى بأمورالشأن العام في نطاق البلدة التي أسكنُ فيها من دون صفةٍ رسميّة، ولم أكنْ أرغب بأيّ صفةٍ رسميّة، بل أن أكون حاضرًا دومًا للمساعدة. ولكن، بعد اللقاء مع قداسة البابا يوحنا بولس الثاني والسينودس من أجل لبنان الذي دعا العلمانيّين المُلتزمين، وبإلحاح، من أجل المشاركة في الشأن العام. كما أنّ كيارا لوبيك، مؤسّسة الفوكولاري، كانت تطلبُ دائمًا أن نكون فعّالين ضمن الرعايا والمجتمع حيث نتواجد. عندها فهمت أنّه من غير المُمْكِنِ التهرّبَ من هذا الواجب، وقد حان الوقت للالتزام المباشر. فترشّحتُ في حينه وحالفني الحظّ، وها قد مضت ستُّ سنوات والآن انتُخِبْتُ من جديد لِسِتِّ سنواتٍ أخرى.For-Web-Labib
خلال الستّ سنوات التي مرّت، حقّقتُ إنجازاتٍ مهمّةٍ من برنامج العمل الذي وضعته قبل ترشّحي إلى رئاسة البلديّة، ومنها التواصل بين فئات المجتمع كافّة في البلدة، فكان من الضروريّ خلق نشاطاتٍ تُقرّبُ الناس من بعضها. فيلتقي الأفرادُ لتحضير الاحتفالات وتنفيذ المهمّات الموكلة إليهم للاحتفال بعيد السيّدة مثلاً…
كما أنّ هناك التواصل مع البلديّات المجاورة، لقد نفَّذْنا مشروعَ طريق “درب القمر”، وهي طريقٌ تبدأ من عينطورة، تمرُّ في عين الريحانة ودرعون لتصلَ إلى حريصا. اعْتُبرَتْ طريقًا للمَشْيِ في الطبيعة وكذلك للسياحة الدينيّة. هذا المشروع خلق تقارُبًا وتعاوُنًا بين البلديّات المجاورة. كما أنّني بَنَيْتُ علاقاتٍ مع بلديّاتٍ في فرنسا وقد ساعدونا ودعمونا في مشروع “درب القمر”، وقد أتى شبابٌ من فرنسا لمدّة شهرٍ وتواصلوا مع شبيبة الكشّافة في عينطورة. وفي السنة التالية، اتّجه شبابٌ من عينطورة إلى فرنسا وشاركوا بمخيّمٍ هناك. هذا التبادُل بين الشباب فتح مجالاتٍ كثيرةٍ فيما بعد.
وضعتُ أيضًا مشاريعَ عدّةٍ منها خرائط ودراساتٍ لطرقاتٍ في البلدة.
وبما أنّه لا يوجد في البلدة شبكةٌ للصرف الصحيّ، كان من الضروريّ دعم السكانّ وتحفيزهم في هذا المجال، بحيث شجّعْناهُم على إنشاء محطّات تكريرٍ لتخفيف مشكلة الصرف الصحيّ. وقد نجحنا في حلّ خمسين في المئة تقريبًا من مشكلة الصرف الصحيّ.
أمّا بالنسبة إلى أزمة النفايات، فقد طرحنا موضوع فرز النفايات في شهر آب الماضي في البلدة. خَلَقْنا مركزًا مع نادي الروتري للفَرْز، وشارك السكّان في عمليّة الفرز . وقد حُلّتْ مشكلة النفايات بغالبيّتها، ولا يزال لدينا حلّ مسألة المواد العضويّة وتحويلها الى “كُومْبُسْت”. وهذه المسألة هي قيد الدراسة. وبلديّة عينطورة هي من أوّل البلديّات في المنطقة التي سرعان ما وجدت حلاًّ لمشكلة النفايات منذ شهر آب الماضي.
وهناك مشاريع أخرى متعدّدة وروتينيّة نقوم فيها في البلدة بدعم الشباب ومشاركتهم، منها نشاطاتٌ رياضيّةٌ وثقافيّةٌ وغيرها…
لكن علينا أن نعترفَ بأنّنا نجدُ في العمل الاجتماعيّ صعوباتٍ لا تُحصى، وهناك في كلّ عملٍ بلديٍّ سلبياتٌ تُزْعِجُ طرفًا مُعَيّنًا. في أيِّ نشاطٍ بلديٍّ نقومُ به نجدُ أشخاصًا يُناسِبُهُم العمل، وأشخاصًا لا يُناسبهم أو مُتَضَرّرين منه. المهمُّ أن نجدَ دائمًا حلاًّ وسطيًّا يُناسبُ الخيرَ العام، لأنّه غالبًا ما يتضاربُ الخيرُ العام مع المصالح الشخصيّة. علينا أن نُرضِيَ جميع الأطراف ونشرَحَ لهم أهميَّةَ المشروع أو العملَ للمجتمع ككُلّ، ونكونَ قريبين من الجميع.
أمّا الصعوبات الأخرى التي تصادِفُنا، فمصدَرُها العلاقات بين البلديّة والدولة. هناك انعدامٌ لسلطة البلديّة في أخذ قراراتٍ بِتَنْفيذِ مشاريعَ مُعيّنة. فكلُّ مشروعٍ يأخذُ وقتًا طويلاً وجَدَلاً لِيُنَفَّذ.
نواجِهُ نزاعاتٍ كثيرةٍ مِمّا يتطلّبُ مِنّا التصرّفَ بحكمةٍ مع مَنْ حولِنا، وإيجاد حلولٍ تُرضي الجميعَ في الشأن العام.
تتعاطى البلديّةُ مباشرةً مع الناس والمجتمع ضمن بيئتها وبلدتها. أمّا الأحزابُ السياسيّة فتأخد طابعًا على مستوى الوطن كَكُلّ. من الجيّد أن تكون البلديّة على علاقةٍ حسنةٍ مع الأحزاب السياسيّة، ولكن أعتقد أنّه من الأفضل أن تبقى على مسافةٍ واحدةٍ منّ كلٍّ منها، ومن كلّ الاشخاصِ المُقيمين في البلدة. بهده الطريقة، تحافظ البلديّة على علاقةٍ جيّدةٍ مع الجميع. وبهذا لا تسمحُ لأيّ طرفٍ أن يُعَرْقِلَ مسيرةَ عَمَلِها الإنمائيّ، الاجتماعيّ أو البيئيّ.
أمّا للتواصل مع أهل البلدة فقد اعتمدنا تكليفَ لجانٍ معنيّة تهتمّ بالمشاريع التي تتطلّبُ وقتًا طويلاً لتنفيذها. وتهتمُّ بالتواصل مع أهل البلدة ومع البلديّة لِتُطْلِعَهُم على سَيْرِ المشروع. إنّها لجانٌ غيرُ رسميّة، Web-al-Malafولكنّها لجانٌ هدفُها أن تبقى قريبةً من الناس وتتواصَلَ معهم.
التواصلُ مع أهل البلدة مهمٌّ جدًّا. أنا حاضرٌ في البلدة دائمًا، رقمُ هاتفي موجودٌ مع الجميع، أتواجدُ في البلديّة مع الجميع، ألتقي بأهل البلدة في الرعيّة، في الكنيسة… يشعر الناس أنّهم قريبين من رئيس البلديّة ويتواصلون معي بسهولة. أعتبرأنّه مهمٌّ جدًّا أن يكونَ رئيسُ البلديّة قريبًا من أهل البلدة ويشعُرَ بمشاكلهم، فيما يشعرون هم أنّه يتجاوبُ معهم. البلديّة هي أولّ خليّةٍ تلتقي بالناس، وهي أقربُ لهم من المقامات الرسميّة مثل النائب أو الوزير. هناك تواصلٌ مباشرٌ ودائمٌ بين الناس والمسؤولين في البلديّة ممّا يُشْعِرُ الناس بالأمان والراحة.

أريدُ هنا أن أنّوهَ بالشباب ودورهم الكبير بالنسبة إلى المشاركة والالتزام. في بعض الأحيان، تنقصهم الخبرة في الشأن العام ولكن من خلال التمرّس بالعمل، يكتسبون الخبرة. الجيّد أن لدى الشباب نشاطًا زائدًا وأفكارًا جديدة. لا أعتقد أنّ جميعَ الشباب يُهمُّهم العمل في الشأن العام، ولكن علينا تحفيزهم على الاهتمام، ويكونُ ذلك من مسؤوليّة البلديّة بخلق نشاطاتٍ من خلال نادي البلدة، من خلال الكشّافة، من خلال حركاتٍ أخرى… عندئذ يبدأ الشباب بالتمرّس بالعمل والالتزام. فنلاحظ العناصر أو النواة التي تصلح في المستقبل لتحمُّلِ مسؤوليّاتٍ في العمل البلديّ. ولا يجوزُ لأيّ شابٍّ أن يدخُلَ إلى العمل البلديّ إنْ لم يكن يمارس النشاطات ضمن النوادي والكشّافة والنشاط الاجتماعيّ وضمن حركاتٍ أخرى. هذا الالتزام ، يحمّل الشباب المسؤوليّة ويُنمّي لديهم محبّةً لبلدتهم وللمنطقة التي يعيشون فيها، ويجعلهم بالتالي قادرين على تحمّل مسؤولياتٍ أكبر في المستقبل”.

وإن كان رئيس بلديّة عينطورة قد ختم حديثه منوّهًا بضرورة تحفيز الشباب للإهتمام في الشأن العام، فكيف يكون اهتمام كبار السنّ بهذا الموضوع؟ ننقلُ إليكم جوابَ جدّةٍ لحفيدها حين سألها مستطلعًا عن سرّ اهتمامها بالسياسة حتّى الآن؟
تقول: “لطالما كنتُ مهتمّةً بالحياة السياسيّة، لأنّني ترعرعتُ في عائلةٍ تُتابعُ السياسة باهتمام.
العملُ السياسيّ هو العملُ الأهمّ بالنسبة إلى حياةِ الجماعة، لأنّه فنٌّ حقيقيّ، فنُّ الوساطة بين وُجُهات النظر المختلفة في مجال العمل في الشأن العام ومن أجل الخير العام. هذا بالمبدأ.
ولكن، في الواقع، غالبًا ما تحرّكُ دوافعُ أخرى عَمَلَ السياسيّين… أعتقدُ أّنَّ معظمَهُم يبدأ التزامَهُ بدافع النوايا الحسنة. لكنّهم يتعرّضون للتجارب، يُغريهم اتّباع إدْيولوجيَّتِهم الخاصّة أو اكتساب السلطة والإمتيازات. لذلك أشعرُ أنّه من المهمّ جدًّا أن أُبقى على اضطلاعٍ على أدائهم كي أعرفَ إنْ كان يجبُ أن أسانِدَهُم أم لا.
واضحٌ بالنسبة إليّ أنّني لستُ مؤهّلةً للعمل في السياسة. سُئلتُ في الماضي أن “أنزلَ إلى الميدان” لكنّني من الأشخاص الذين يأخذون الأمورَ بجديّةٍ زائدة، وتؤلِمُني النزاعات والصراعات بطريقةٍ مبالغة. علاوة على ذلك، يجبُ أن يتحلّى السياسيُّ بالشجاعة الكافية للسَيْر قُدُمًا في الخطّ الذي ينسجمُ مع مبادئه، حتّى ولو تعرَّضَ للإضطهاد… أمّا أنا فما كُنتُ تحمّلتُ ذلك!
ولكن، هناك مجالاتٌ كثيرةٌ أستطيع أن أُمارس فيها السياسة بدءًا من القاعدة، أي المجتمع المدنيّ والحياة اليوميّة. لقد شاركتُ مِرارًا بمظاهراتٍ مُسانَدَةً لقضايا اعتبرتُها مُهمّة، على الرغمَ من أنّني لا أُحبّذُ النزولَ إلى الشارع…
أستطيعُ أن أتخطّى أيَّ ارتباكٍ لأسألَ الحِرَفِيّ كما الأخصائيّ عن رأيهم بمشروعِ قانونٍ مُعَيَّن.
أستطيعُ أن أُفسّرَ للأولاد أنّه طبيعيٌّ جدًّا أن يَرْموا الأوراقَ في السلّة المُخصَّصة لذلك، وأن يلتزموا باحترام أوقات الراحة في المُجمّعات السَكَنيّة، ويحترموا ويُقدّروا الأغراب الذين يعيشون بيننا ولهم حقوقنا نفسها. يُمْكِنني أيضًا أن أشرحَ للشبيبة أهميّة التقيُّد بقوانين السير وضرورتها…
قرَّرنا مؤخّرًا، أن نستبدِلَ المسؤولَ عن إدارة شؤون المُجَمَّع السكّني الذي نعيشُ فيه، لأنّه قام بمخالفاتٍ وأخطاءٍ كثيرة. فبدأت أعمالُ التخويف كالتعدّي على سيّاراتِنا وغيرِها … ولكن، على الرغم من الخوف، إتّفَقْنا على المضيّ قُدُمًا، مُكتفين بالشكوى لدى السلطات القضائيّة.
هذه “المعارك” الصغيرة في سبيل الشفافيّة هي أعمالٌ سياسيّةٌ تُساهم في استعادة الشرعيّة دَوْرَها الحقيقيّ، كما تخدمُ الأجيال الصاعدة”.

فلتكن حياتنا حتّى الرمق الأخير “أعمالاً سياسيّة” من أجل الخير العام.

إعداد أنطوان الخوري

web-Tony

Spread the love