رحلةٌ واكتشافٌ يبعثان الرجاء

في صباح يومٍ مُشمِسٍ ضحوك، إلتقتْ بضعُ سيّداتٍ من جمعيّاتٍ مختلفة واسْتَقَلَّيْنَ باصًا برحلةٍ نحو بلدة عَيْتا الشعب قرب صور، وكنتُ من بينهنّ. إنطلقنا لزيارة مؤسّسة السيّد موسى الصدر، وذلك تلبيةً لدعوة السيّدة رباب الصدر. كانت الرحلةُ فرصةً للتعارف والتواصل في ما بين السيدات المُشارِكات، ما خلق جوًّا شِبْهَ عائليٍّ تحضيرًا لِما سَيَلي.
عند الوصول اسْتُقْبِلْنا بمحبّةٍ ملموسة. فالمحبّةُ في هذه المؤسّسة هي كلمةُ السرّ، محبّة الآخر المختلف، محبّة الوطن، محبّة الضعيف والمحتاج، محبّة، محبّة، محبّة… الكلُّ يُعبّرُ بكلماتٍ تشعُّ فرحًا وحُبًّا.
إتّجهنا نحو المبنى الرئيسيّ وسط طبيعةٍ تتحلّى بالتناسُقِ والجمال. كلُّ ما يحيطُ بنا مُريحٌ للنظر والفكر.
زرنا كلّ الصُفوف، بما فيها المخصّصة للأولاد ذوي الحاجات الخاصّة. وعَلِمْنا أنّ المؤسّسةَ تُعْنى بثماني مئةٍ وخمسينَ فتاة، إنتشلتْهُنّ من الجَهْلِ والأمِّيّة، أي أنّهنّ تساعِدهنَّ وتُعِدَّهُنّ لِيُرَبّينَ أولادَهُنَّ في المستقبل بشكلٍ سليمٍ وواعٍ ومسؤول. أتُبْنى الأوطانُ هكذا؟
تأخذ المؤسّسةُ الفتاة على عاتقها؛ تعلّمُها، تُغذّيها وتَكْسوها، تقدّمُ لها الكتبَ وسُبُلَ التنقُّل لأنّ المنامَةَ لم تَعُدْ تُؤمَّنُ في المُجَمَّعِ تَجنُّبًا لمشقّاتِ التأقلُم من جديدٍ في مجتمع الفتاة عند عودتها إليه.
تكملُ الفتاةُ في المؤسّسة حتّى نهاية الصّفوف الإبتدائيّة ثمّ تذهب، إن أرادت، إلى ثانويّة المنطقة ثمّ إلى الجامعة إنْ كانت مؤهّلةً لذلك. وتؤمِّنُ لها المؤسّسةُ كلَّ شيءٍ حتّى خلال دراستها الجامعيّة. كما أنّ الفرصةَ متاحةٌ أمام اللواتي يَرْغَبْنَ بالإلتحاق ببرنامج التدريب المهنيّ في المؤسّسة بالذات: كالتصوير والماكياج، والماسّاج إلخ… كلُّ ذلك بهدف المساعدة على مَحْوِ الأمّيّة ومساندة المرأة لتحمُّلِ مسؤوليّاتِها.
زرنا أيضًا جناح المأكولات. هنا يصلُ الحليبُ من القرى المجاورة لإعانة المُزارعين على بَيْعِ إنتاجهم. يُفْحَصُ ويُعَقَّمُ ويُحوَّلُ البعضُ منه إلى لبنٍ ولَبْنة: تَستعملُ المؤسّسة حاجَتَها وتبيعُ الباقي.
كما زرنا مشغلاً لحياكة السجّاد حيثُ يعملُ عددٌ من السّيّدات.
وفي فترة الغذاء قلتُ للسيّدة رباب: “أرى أنّ كلَّ الموظّفين يعملون بفرحٍ واقتناع. بَسْمَتُهُم ليست مُجَرَّدَ بسمةِ استقبالٍ للغُرَباء. أشعرُ أنّه فرحٌ ناجِمٌ عن الحياة. ما هو سرُّ هذا الفرح؟”.
أجابت قائلةً: “في هذه المؤسّسة، لكُلّ موظّفٍ وكلّ إنسانٍ حقوقٌ كما عليه واجبات. فالسيّدةُ مثلاً، التي تعملُ معنا، بحاجةٍ لأن تَطْمَئِنَّ على أولادها في دوام عملها، لذا أَوْجَدْنا الحضانة. وهي تتقاضى راتبًا يُؤمّنُ لها العيشَ الكريم، كما عندها تأمينٌ صحّيٌّ مريح، فلا شيءَ يمنعُها من القيام بِعَمَلِها باندفاعٍ ومحبّة”.
إنّها حقيقةُ فرحِ من يُعطي بضميرٍ ومن كلّ قلبه، فيجد المحبّة حيث يَزْرَعُها.
إسْتَوْقَفَتْني لوحةٌ على حائط غرفة الطعام كُتبَ عليها “المسيح، موسى”، وتقول إنّ ما يجمعهما هو المحبّة. وهي صورةٌ عن تنشئةِ الفتيات على محبّة ديانة الآخر.
لقد أَوْجَدَتِ المؤسّسةُ أيضًا معهدًا “للتمريض التقنيّ بحسب برنامج تضعُهُ هي وتستفيدُ منه الوزارات المَعْنِيّة. لن نتكلّمَ هنا عن الخدمات الباقية والإنجازات القيّمة التي تبغي الخيرَ العام، وبخاصّةٍ تربية الفتيات لِيُصْبِحْنَ سيّداتٍ مسؤولات، يستطِعْنَ الإعتماد على ذواتهنَّ وتربية أولادهنَّ على حُبّ الجمال والعمل المُتْقَن واحترام الآخر ومحبَّتِهِ على اختلافه، فتساهِمُ تلك المؤسَّسةُ في بناء وطن التناسُقِ والتناغُمِ الذي يحلُمُ به الجميع.

إعداد مهى فرح

Spread the love