بنّاؤو الخير العام؟

كما نعلم، لا يولدُ بنّاؤو الخير بغتةً، لا ارتجالٌ في الموضوع! نصيرُ صانعي الخير العام إنْ نحن قطعنا شوطًا مهمًّا بالتحضير لذلك من خلال التزامنا بإحياء المجتمع والعمل لأجله.
إنّ اللحمة بين المجتمع والسياسة، بين منطقةٍ ومرشَّحِها، بين ناخبٍ ومُنْتَخِب، لضروريّةٌ جدًّا. علينا أن نقوّي هذا الرباط بالمواكبة والمراقبة وتقديم الاقتراحات والمثابرة. فكلّ واجبٍ نقوم به في بلدنا، إن كنّا أساتذةً أو عمّالاً أو أمّهاتٍ الخ… له أهميّتُهُ السياسيّة، هو شأنٌ سياسيٌّ بكلّ ما للكلمة من معنى. إن أتمَّمْنا ما علينا القيامَ به، ونُصْبَ أعينِنا الخيرُ العام، نحن إذًا سياسيّون بامتياز. قد لا نُحدِثُ ضجّة، لكنّنا نكتسب التقدير العام. وهذا التصرّف الذي قاعدته الحُبّ، يُحيي العدالة الحقيقيّة ويؤدّي إلى زرع السلام. نعم، فالدُوَل بحاجةٍ لقوانينَ تتماشى أكثر فأكثر مع ضرورات الحياة الإجتماعيّة، لكنّها بحاجةٍ ماسّةٍ لرجالٍ ونساء، يحملون هذه الشعلة بداخلهم، يحملون هذه البذور التي هي عدالةٌ بحدِّ ذاتها، فيكون للقوانين قيمتها. هو التزامٌ جدّيٌّ ومسؤول، يتّبع إحياء القوانين المشتركة للتعايش المدنيّ ويتصدّى بذلك للفرديّة الأنانيّة والإرادة العمياء، ويعزّز التعايش المتناغم والاجتهاد الهادف للخير المشترك.
إليكم هذه الحادثة: قرّر شرطيٌّ مدنيٌّ الإقامة مع عائلته في حيٍّ حديث التكوين في مدينته. دفعه للقيام بذلك خياره الجذريّ، أي مشاركة الأشخاص المحرومين والأكثر عوزًا في هذا الحيّ من المدينة. فالشوارع غير معبّدة، لا إنارة عامّة ولا مياهٌ ولا صرفٌ صحيّ، أمّا الخدمات الاجتماعيّة والنقل العامّ فمعدومٌ ذكرهم. حاول الشرطيّ أن يخلق مع كلّ عائلةٍ وفردٍ من سكّان الحيّ علاقة تفاهُمٍ وحوار، في محاولةٍ لرأب الصدع وإزالة الخلاف بين المواطنين والإدارة العامّة. تدريجيًّا، بدأ السكّان يشاركون في لجانٍ تمّ إنشاؤها للوصول إلى الهدف المنشود، وصاروا ناشطين في المؤسّسات العامّة بفضل العلاقة التي تجمعهم ، إلى حين استطاعوا الحصول على مبلغٍ كبيرٍ من الموازنة العامّة للإدارة الإقليميّة، خُصِّصَ لإعادة تأهيل الحيّ. أصبح هذا الحيّ قدوةً بسعيه ومواظبته، وخلق الأنشطة التدريبيّة لممثّلي جميع اللجان في كلّ أحياء المدينة.
أن نصغيَ لضميرنا ونتعامل بحياتنا وعقلنا وروحنا كهباتٍ من عند الله، أن نُناضلَ ونختبرَ الحقيقة، كلّها أساساتٌ يرتكز عليها ما نشيّده في مجتمعاتنا. إنّ العمل بالشأن العام هو عملٌ يوميّ، يصنع السلام محاولاً فضَّ الخلافات وحلَّ النزاعات وتوضيح الملابسات. هو العمل السياسيّ الذي يوجّه مساره نحو الخير العام، ويكون التحدّي الأكبر للبحث عن السلام وإفشال الحروب، فيصبح “واحةً لصنع العجائب”.

بقلم ريما السيقلي

for-web-dopo-il-tema

Spread the love