وباء الكورونا ويقينٌ من نوعٍ آخر

طال الوقت وها هو الألم يزداد تفاقمًا، والقلق والإكئتاب يُغلّفان أوقاتنا. هناك من فقد أحبّاءه، وهناك من يُعاني العزلة في حجرٍ صحيّ… من دون التحدّث عن عدم اليقين والخوف على المستقبل، فالأزمة الإقتصاديّة خانقة، وأمّا العلائقيّة فهي تحدٍّ مستمّرّ يعيشُهُ أهلُ البيت بديناميكيّةٍ غير معهودة! لم يكن أحدٌ معتادًا على المجاورة القسريّة، فالإحتكاكُ اليوميّ بمعدّل ٢٤ساعة في اليوم، أو أقلّ بقليل، وعلى مدى أيّام الأسبوع، ليس بأمرٍ سهل. كيف التعاملُ مع هذه الظروف من دون تعريض العلاقات للإهتزاز؟ كيف يُمكننا تغييرَ التوازن الذي سبق واعتدنا عليه، ونحن مستمرّون في الحُبّ واحترام بعضنا البعض؟ هي صدمةٌ جديدةٌ للزوجَيْن فيها تحدٍّ لعلاقتهما. قد تبرُزُ، جرّاء هذا الحجر الذي فرضه الوباء، مشاكلُ كانت مطمورة، هذا عدا وجود معادلةٍ جديدةٍ في التعاطي مع الأولاد ومساعدتهم على التكيُّف مع الوضع الراهن، وإيجاد سُبلٍ لإطلاق العنان لطاقاتهم الإضافيّة!

لقد أَجْبَرَنا الوباء على التعامل مع الوضع المفروض علينا، ولكنّه وقبل كلّ شيء، علّمنا كيفيّة التعامل مع أنفُسِنا ثمّ مع الآخرين، دفعنا للنظر إلى الداخل، إلى قدراتنا وضعفاتنا، منحنا قدرةً أكبر للتحكّم، قدر المستطاع، بالوضع الراهن وبذلِ كلِّ مجهودٍ لإيجاد أوقاتٍ من الإسترخاء في المنزل، وساعدنا على عدم الإنفجار السريع وإطلاق العنان للتوتّر، بل على تَفْعيلِ مواهبِنا، فنكون خلاّقين مُبتكرين. قالت لي صديقتي مازحةً: “إنّ زمنَ الكورونا يدفع إلى تفجير عوامل الطلاق، فالرجُلُ في المنزل ليس بحملٍ خفيف، كي لا نقول لا يطاق”، ثمّ أضافت: “لكنّه يُبدعُ في تحضير الوجبات وفي الطهي، وإنْ كان عليّ من بعدها تنظيف المطبخ بدءًا من السقف، لكنّنا نفرحُ سويّةً ونُعلّق ضاحكين على كلّ تفصيل”.
من مفاعيل هذا الوباء أيضًا أنّه جعل الكلّ يستخدم العالم الرقميّ إنْ للصلاة أو العمل أو اللّهو الخ… كانت خطوةً إلزاميّةً لجميع الأذواق والأعمار، جعلتنا نتوق إلى يومٍ نلتقي فيه من دون شاشةٍ تحدُّ من روعة النظر إلى وجهٍ عزيز، وبَدَلَ الضغط على أزرار الهواتف الذكيّة والكومبيوتر، نحلُمُ بأنْ نضغطَ بأصابعنا على أعناقِ بعضنا البعض ونحتضنَ بشوقٍ ولهفةٍ كلَّ من نُحبّ…
عندما يغيبُ ما هو أساسيٌّ لكينونتنا كبشر، نُدركُ عندها روعة كلِّ ما نحن عليه وكلِّ ما نملك من بهاءِ نفسٍ ووفرةِ خيراتٍ، من جمال طبيعةٍ وروعة كونٍ وُهبَ لنا.

أختمُ بما كتبته مريم، عند بدء معركتها مع داء الكورونا، تقول:
“هي لحظةٌ غريبةٌ حقًا أن تكونَ مُعرَّضًا للموت وأنتَ لا تعي إنْ كان الأمرُ حقيقيًّا أم مُبالغًا فيه. تختلفُ ردودُ الفعل تجاه مرضِكَ، فمنهم من عَلِمَ أنّ وباءً خطيرًا أصابَك، وكان مستعدًّا أن يَقصُدَكَ ويُعطيَ حياته من أجلك، ومنهم من كلّمَكَ عبر الهاتف خائفًا عليك وقلقًا أن يُصيبَه ما أصابَك، والبعضُ الآخَر خاف أن يكلّمَكَ ويسمعَ صوتَ تنفُّسِكَ المُتقطّع والضعيف.
ما يوجد في داخلي بالرغم من المرض هو الشعورُ بالحُبّ لكلّ قلبٍ فكّر فيّ وأحبّني، ولكلّ من فكّر بتلبيَةِ حاجةٍ لي مُعرّضًا نفسَهُ للخطر، ولكلّ الصلوات التي قُدِّمت على نيّتي. أطلبُ من الجميع أن يفهموا أنّ الموتَ لا يُخيف، بخاصّةٍ إذا عرفنا أنّنا هنا على الأرض في حياةٍ مؤقّتة، ومهمّتنا فيها أن “نُحبّ” حتّى الأعداء، أن نحبَّ الجميع كأنفُسِنا، لذا علينا أن نسأل عن المريض والمُتعَب والضعيف، ونحبَّهُ إكرامًا للربّ، عندها سَتصِلُهُ الرسالة. كلّنا نشحدُ الحبّ، وبالأخصّ الضعيف الذي يحتاج لمن يخبره أن اللهَ يُحبُّه ويَعتني به.
لا تخافوا، فالعدوى لا تنتقلُ عبر الهاتف، لكنّ اتّصالاً واحدًا بمحبّةٍ يُمكنُه أن يشفي. أنا أقولُ وباقتناع، إنّنا إذا أحْبَبْنا أحدًا علينا أن نقولَ له ذلك، لأنّ كلَّ الفرح يَكمُنُ في المحبّة. إنّ اللهَ أحبَّنا أوّلاً وعلينا نحن أن نهبَ مَن حولنا هذه “البشرى السارّة”.

ريما السيقلي

Spread the love