السكر وتأثيره السلبي على دماغنا
كتب البروفيسور روبرت لوستيغ، NEUROENDOCRINOLOGIST وأخصائي في الغدد الصماء عند الأطفال من جامعة كاليفورنيا، مقالا في مجلة ATLANTIC يتكلم فيه عن انتشار البدانة وأسبابها عنوانه:

THE MUST UNHAPPY OF PLEASURES: THIS IS YOUR BRAIN ON SUGAR

ورد في المقال ” ان الحرب على المخدرات أنتقلت الى المقعد الخلفي، ليس لأننا كسبناها، بل لأن حربا جديدة احتلت عناوين الصحف، وهي الحرب على البدانة. لدينا مادة أكثر تغلغلا وانتشارا، أخذت مكان الكوكايين والهيروين، والمقصود بمن يقف وراء بلائنا الحالي هو السكر. من كان يتصور أن شيئا بهذه البرائة، وهذا الطعم اللذيذ اللذي لا يقاوم، يمكن أن يدفع أمريكا، والكثير من الشعوب، نحو الإنهيار الصحي؟”
بدأ “جنون السكر” في القرن السادس عشر عندما زرع البرتغاليون قصب السكر لأول مرة في البرازيل، وقد أثبتت هذه الزراعة نجاحها، فسرعان ما انتشرت إلى منطقة البحر الكاريبي، مما استدعى استقدام أعداد كبيرة من العبيد لتلبية الحاجة المستجدة لليد العاملة المجانية.
في القرن التاسع عشر، تم في أوروبا اكتشاف تقنيات صناعية لإستخراج السكر من الشمندر السكري وتحويله الى سكر أبيض بلوري. كان الإقبال عليه غير مسبوق، ادى الى زيادة كبيرة في الانتاج، مضروبة بألف، وانخفاض تدريجي بسعره، جعله بمتناول الجميع. إجتاح السكر المعجنات والخبز والحلويات والمشروبات الساخنة والباردة (الليموناضة) والصلصات والمربيات والسكاكر بالطبع، وأصبحت الحلوى والسكاكر رمز للطفولة السعيدة والفرح وأعياد الميلاد…
قد نتساءل هنا عن سبب هذا الإقبال على استهلاك هذه المادة “الغذائية”،
أجسامنا تتعرف على السكر كأنه مادة ادمان
أظهرت بحوث سابقة على البشر والفئران المخبرية أن استهلاك السكر والحلويات يدفع بعض خلايا الدماغ المتخصصة الى إفراز مادة ال DOPAMINE، هذه المادة تعطي صاحبها الشعور بالمكافأة والحنين مماثلة لعقاقير الادمان، لابل أن السكر يمكنه أن يكون أكثر جدوى من حيث كيفية تفاعل الدماغ معه. من هنا نرى أن طلبنا للسكر يمكن أن يتحول الى إدمان لا يمكن مقاومته. أما الإكثار في استهلاكه فيجعله أقل فعالية، مما يدفعنا الى الإفراط في الكمية المستهلكة للحصول على نفس الشعور، وهكذا دواليك.
الدوبامين DOPAMINE هو هرمون عصبي تفرزه بعض خلايا الدماغ، هو المسؤول عن نظام المتعة والمكافأة لدينا، اذ يعطينا الإحساس بالنعيم، وحتى النشوة. اما انخفاض إفراز الدوبامين لدينا، فيؤدي الي ضعف في التركيز والذاكرة، الإحساس بالتعب والخمول، والإكتئاب وقد يدفعنا الى محاولة الإنتحار!
وعلى العكس، فإن بعض الأشخاص الذين يعانون من نقص في الدوبامين يحاولون تعويضه بسلوكيات قد تؤدي الى تدمير صحتهم الجسدية والنفسية، يشمل ذلك، الإفراط في تناول الكافيين، أوالكحول، أوالسكر، أوالمخدرات، أو التعلق بالتسوق، أوالجنس، أو الأفلام الإباحية، أوالقمار، أو استخدام الإنترنت الزائد الخ..وكلها تعطي صاحبها، ولو لفترة قصيرة، الشعور بالإنتعاش وترفع من معنوياته.
يرتبط الإكثار في استهلاك السكر والنشويات على نحو متزايد بالأمور الصحية المتعلقة بعمل الدماغ، مثل الاكتئاب واضطرابات التعلم ومشاكل الذاكرة والخرف المبكر، والرغبة في الإفراط في تناول الأطعمة الحلوة المذاق. كما أن إرتفاع نسبة السكر في الدم يدفع الكبد والبنكرياس الى العمل الدؤوب لتحويله السريع الى دهون فتخزن داخل البطن وفي أماكن عدة من أجسامنا. أما على المدى المتوسط والبعيد، فقد تفشل هذه الأعضاء في تأدية وظائفها مما يؤدي الى ازدياد تدريجي في مستوى السكر في الدم. الخلل الصحي الناجم عن ذلك قد يؤدي بصاحبه الى امراض عديدة ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، مرض السكري من نوع 2 ، إرتفاع ضغط الدم، ازدياد في نسب الدهون في الدم، أمراض الشرايين، التهاب المفاصل، سرطان الثدي والقولون…
وجدت دراسة نشرت في المجلة الطبية المتخصصة بالعناية بمرضى السكري أن مرض السكري من النوع 2 يرتبط مع زيادة بنسبة 60 في المئة من خطر الإصابة بالخرف لدى الرجال والنساء، وأشار بحث في مجلة نيو انجلاند للطب، أن ارتفاع طفيف في نسبة السكر في الدم، مثل مستوى 105-110 ، يرتبط أيضا مع ارتفاع مخاطر الخرف.
الدكتور ديفيد بيرلموتر، طبيب الأعصاب ومؤلف كتاب “BRAIN GRAIN”، يعتقد أن مرض الزهايمر هو في المقام الأول نتيجة لخيارات نمط الحياة، بما في ذلك استهلاك السكر. ويقترح أن أي شيء يعزز مقاومة الأنسولين لديك يؤدي في نهاية المطاف الى زيادة خطر إصابتك بمرض الالزهايمر.
يجب الحد من استهلاك السكر
السكر، في شكله الطبيعي والغير مصنع، ليس سيئا بطبيعته عندما يستهلك بكميات قليلة تدفع ماكينتنا البيولوجية الى اعتماد حرق الدهون كمصدر أساسي للطاقة. إنما يجب تجنب جميع مصادر السكر الصناعي وخاصة الFRUCTOSE المعالج. فوفقا للموقع الإلكتروني SUGARSCIENCE.ORG 74% من المواد الغذائية المصنعة المشتراة من السوبرماركت تحتوي على السكر المضاف وخاصة المشروبات الغازية التي أصبح الإقبال عليها عاليا جدا، خاصة من قبل الشباب والأولاد. لذلك ينصح بتجنب الإستهلاك الزائد للسكريات المكررة الموجودة برقائق الحبوب والخبز والمعجنات، والإستعاضة عنها بالمكونات الطبيعية الكاملة كالأرز السمر الكمل والعدس والفاصوليا والبازيلا، كما المكسرات النيئة الغنية بالألياف والدهون الصحية والبروتينات، والإعتماد على الحساء التقليدي بما فيه من لحوم قليلة الدهون كالموزات والعظام والخضار على أنواعها، كما أن قليلا من الدهون المشبعة في الزبدة وزيت جوز الهند والبيض، هي غذاء ضروري لخلايانا العصبية. ومن الزيوت النباتية يعتبر زيت الزيتون النيء والزيتون من المكونات الضرورية لوجبة صحية.
كيفية التخلص من عادة استهلاك السكر
التخلص من أية عادة أو إدمان على مادة ما، يكون صعبا في البداية، يكفي أن نقتنع بضرورة وضع حد لها، ومن ثم عدم شرائها وتخزينها في مطابخنا. بالنسبة للسكر ومشتقاته، إعتماد البدائل الاّنفة الذكر، والتركيز على السلطات الطازجة في بداية وجباتنا. كما يمكننا استعمال القليل القليل من مادة ال STEVIA للتحلية إذا دعت الحاجة خاصة في البداية. كذلك القليل من الفواكه المجففة يمكنها أن تفي بالغرض. المهم أن نصمد لأسبوع أو أكثر فنضمن النجاح لمهمتنا. لا ننسى أن النشاط الرياضي المعتدل بمكنه تزويدنا ببعضا من مادة الدوبامين التي نحن بحاجة اليها.

إعداد الدكتور جورج خليل

Spread the love