الثمن المطلوب
ما أريدُ أن أُثَبّتَهُ في أذهانكم إلى الأبد، هو أنّنا لا نستطيعُ أن نَبْنِيَ أيَّ شيءٍ إلهيّ، أي ملكوت الله على الأرض، من دون ألم. فلا نُوهِمُ أنفُسَنا من دون جدوى، فليس هناك طريقٌ آخرٌ لِنَتْبَعَ يسوع سوى طريق الصليب. وإذا أردنا أن نُضيفَ شيئًا نقول: “أُنكُرْ ذاتَكَ”. إذًا هناك صليبُ الألم وصليبُ نكران الذات.
في بدايات الحركة، فهمنا جيّدًا كلمة يسوع حين قال عن ذاته: “إنْ لم تَقَعْ حبّةُ الحنطة في الأرض وتَمُتْ، تبقى وحدها، ولكن إن ماتَتْ تحملُ ثمارًا كثيرة”. أي أنّ هناك شرطًا، من دونه، لا ثمار في حياتنا. في حياة المثال التي بدأناها، فهمنا أنّه علينا أن نموتَ مِثْلَ حبّة الحنطة، لتكونَ النتيجةَ رائعة. نَنالُها إذا وُجِدَ الألم، أي إذا وُجِدَ الصليب ؛ ثمارُ الألم وفيرةٌ جدًّا. هذا ما فهمناه، وهذا ما وضعه الله في عقولنا. ولذلك، الآن أيضًا، حين تكون هناك ثمارٌ مَجيدةٌ ومكاسب، نحن ننظر فورًا إلى الثمن الذي دُفِعَ لها، وإذا لم يُدْفَع مسبقًا، قد يُدفَع لاحقًا. إنّه لَمِنَ المستحيل أن يكونَ هناك طريقٌ آخر غير طريق الموت؛ أن نموتَ، أن نعرفَ كيف نموت، كيف نُضّحي ونتألّم. إنّه طريقُنا وطريقُ المسيحيّين الآخرين، طريقُ الأساقفة والباباوات والرهبان.
وفي الوقت عينه، أَفْهَمَنا الربُّ في حينه، أنّ الألمَ الذي كان يسمحُ به كان له معنى، وهو أن يُطَهِّرَنا. لم نكن نَعِي مدى ضعفِنا وكم نحن مُغَمَّسونَ بالبُؤسِ والخطايا والعدم. كنّا جميعًا مُلَطّخين بِوَحْلِ طبيعتِنا البشريّة، ولم نكن ندري ذلك، لم تكن لدينا عيونٌ كي نرى ذلك. من خلال الألم، يُعطينا الربُّ عيونًا جديدةً فنرى بوضوحٍ كم لدينا من العيوب. هي ليست مجموعةً من العيوب، بل هي حالةٌ من عدم الكمال نحن فيها، أو حتّى لدى البعض حالةٌ من الخطيئة، تختلفُ بحسب الظروف والتجارب وتأثير البيئة، إلخ… ولكنّنا جميعًا مطبوعون بالشرّ. وها إنّ الموتَ عن الذات يساعدُ على تطهيرنا. وفهمنا أيضًا أنّنا لا شيء وأنّ الموت يأتي بسبب ضعفنا وكلّ الأغلاط التي كنّا نَقْتَرفُها؛ فلسنا سوى مُبْتَدِئين .. كنّا في عمر الشباب، لم نكن نعرف ما هي طرق الله، كنّا نفخرُ بالنور الذي نتلقّاه ومن يدري كم من الأخطاء ارتكبنا! وحده اللهُ يعلم.
بالتالي علينا أن نفهمَ أوّلاً أنّه من دون الموت لن يكونَ هناك أيُّ شيءٍ إلهيّ، لا يُمْكِنُكُمْ أن تبنوا مُدُنًا جديدة، ولا أيَّ أمرٍ غيرها إطلاقًا.
أمّا الأمرُ الثاني، فهو أن نعرفَ بأنّ الأمور التي يُرسِلُها إلينا اللهُ يرسلُها لأّنّنا بحاجةٍ إليها.
كما أنّ ثمّة أمرٍ آخر اكتشفناه في تلك الأزمنة، وهو أنّ كلَّ عملٍ من أعمال الله الكبيرة، كما، في أعمال القدّيس أغناطيوس مُؤَسِّس اليَسوعيّين، أو القدّيس بندكْتُس مؤسّس البندكتِيّين، يَتَّسمُ بالألم وهو بحاجةٍ إلى المرور بنار التجارب. وإذا لم توجَدْ تلك التجربة، لا يُمْكننا القول بأنّه عملٌ من أعمال الله. وهذا الأمر كان الربُّ يُنَوّرُنا به باستمرار، والعديدُ من رؤسائِنا كانوا يقولون: “هنا إصبعُ الله موجود، لأنّ الألمَ موجود”.
بالتالي، فَلْنَحْفَظْ ثلاثةَ أمور؛ أوّلاً أن نعرفَ بأنّه علينا أن نموت، ثانيًا بأنّنا لا نبني أيَّ شيءٍ من دون الألم، ثالثًا أنّنا بحاجةٍ إلى هذا الألم، وهو ألمٌ خلاصيّ، يُساعد يسوع على افتداء العالم. إذْ هكذا، به ومعه يُبْنى عملٌ من أعمال الله.
 كيارا لوبيك
Spread the love