البروتينات الخضراء وأزمة الغذاء العالميّة
الصحّة الجيّدة تعني أن نتمتَّعَ بطاقةٍ عقليّةٍ وجسديّةٍ كافيةٍ لإنجاز الأعمال التي نودُّ القيام بها، وأن لا نعاني من أمراضٍ مزمنةٍ غير ضروريّة، إذ يمكن تلافيها. الحفاظ على صحّتنا وصحّة عائلتنا يتطلّبُ تناول الطعام بشكلٍ جيّد، الحصول على قسطٍ كافٍ من الراحة والهواء النقيّ والمياه العذبة و جرعة كبيرة من الفرح والتفاؤل. في كثيرٍ من الأحيان، تغييرٌ بسيطٌ في نظامنا الغذائيّ يمكن أن يُحسّنَ صحّتنا بشكلٍ كبير. يكفينا ما وضعه الخالق بتصرّفنا من طبيعةٍ غنيّةٍ بخيراتها، فمطبخ ربّنا بألوانه ونكهاته ونظافته لا يوازيه أيّ مطبخ. فهو يوفّر الغذاء المجّانيّ والمتجدّد للجميع دون أيّ هدرٍ للطاقة أو تلوّثٍ لبيئتنا. مع ذلك هناك أزمة غذاء، ويقال أنّ موارد الأرض، في المستقبل القريب، لن تكون كافيةً لإطعام كلّ الشعوب.
أزمة الغذاء لا تقتصر فقط على البلدان والمجتمعات الفقيرة التي تعاني من شحّ الغذاء، وعدم حصولها على كميّاتٍ كافيةٍ من البروتينات، فالبلدان الغنيّة والمتطوّرة تعاني أيضًا، وإنّما من رداءة الغذاء من حيث محتواه القليل بالخضار والفاكهة، والكميّة العالية للسعرات الحراريّة الفارغة الآتية من السكريّات والنشويّات. أمّا البروتينات الحيوانيّة فهي أيضًا مصدر قلق، بسبب محتواها العالي من الدهون المشبعة والهرمونات والملوّثات المتعدّدة. ولكن ماذا عن البروتينات النباتيّة والخضراء منها؟
يترافق إنتاج البروتين الحيوانيّ بهدرٍ كبيرٍ للموارد الطبيعيّة النباتيّة، فإنتاج كيلوغرامٍ واحدٍ من بروتين الدجاج أو البيض أو الحليب يستهلك ٥ كغ من البروتين النباتي، والذي يمكن استعماله مباشرة من قبل البشر، و٧ كغ لإنتاج ۱ كغ من بروتين الخنزير، كذلك إنتاج ۱ كغ من البروتين البقري يستهلك ۱٧ كغ من البروتينات النباتيّة. الجدير بالذكر هنا أنّ معظم البروتينات النباتيّة يتمّ إنتاجها في بلدان العالم الثالث، أمّا استهلاك البروتينات الحيوانيّة فيحصل بغالبيّته في البلدان الصناعيّة، وهذا يسبّب خللاً على الصعيد العالميّ.
يسود الإعتقاد أنّ البروتين الحيوانيّ كامل، ويتفوّق على البروتين النباتي من حيث محتواه من الحموض الأمينيّة الأساسيّة، وعددها ثمانية، والتي ليس بمقدورنا إنتاجها ذاتيًّا. لذلك نصح النباتيّون التنويع بأكل الحبوب والبذور، كالأرُزّ والفصوليا والعدس مع الذرّة والقمح والجوز واللوز…، للحصول على كامل هذه الحموض الأمينيّة الأساسيّة. إنّما على ضوء اكتشافات وتحاليل حديثة، بما يخصّ الأعشاب وأوراق النباتات والأشجار الخضراء الصالحة للإستهلاك البشريّ، فالمعطيات أظهرت أنّ مكوّناتها من البروتينات هي كاملة، وهذا ملفتٌ كمصدرٍ غذائيٍّ صالحٍ لجميع الشعوب وخاصّة الفقيرة منها.
الأوراق الخضراء وقيمتها الغذائيّة: SUPERFOODS
منذ ثلاثين عاما ولغاية اليوم، يجري علماء وباحثون في الولايات المتّحدة وفرنسا وانكلترا وبلدانٍ أخرى، دراساتٍ وتحاليلَ عن البروتينات الورقيّة الخضراء، بهدف استخراج بروتينات قليلة الكلفة، وإدخالها في تركيبة العلف الحيوانيّ، بدلاً من وجبة فول الصويا الأغلى ثمنًا. نتائج هذه الدراسات أتتْ مذهلة، وكانت بمثابة انفجار قنبلةٍ غذائيّة، ليس فقط لإطعام الحيوانات وإنّما هي صالحةٌ للبشر أيضًا. نشر الباحثون أعمالهم في كتبٍ وموسوعاتٍ عدّة، أذكر منها، على سبيل المثال لا الحصر، “البروتينات الورقيّة الغذائيّة” للبروفسور والباحث COSTES كوستس وفريقه من المعهد الوطنيّ الفرنسيّ للعلوم الزراعيّة، وقد ورد فيه ما حرفيّته: “بما يخّص الأحماض الأمينيّة الأساسيّة، نلاحظ عدم وجود نقص بأيّ منها في مجمل البروتينات الورقيّة”. وهذا يُعتبرُ اكتشافًا استثنائيًّا ويدعو للتشكيك أو دحض المعلومات السابقة التي تؤكّد على تفوّق البروتين الحيوانيّ. إذن هي بروتينات كاملة ومكوّناتها من الحموض الأمينيّة متوازنة، فهي كالبيض واللحم أو الحليب ومشتقّاته. أمّا مكوّناتها الأخرى، من أملاحٍ معدنيّة، أنزيمات وفيتامينات وألياف ومضادات الأكسدة، بالإضافة الى نسبة ٧۰-۸٠% من وزنها من الماء وقلّة سعراتها الحراريّة، كلّ ذلك يجعل منها غذاءً فريدًا أطلقت عليه تسمية “السوبرفود” SUPERFOODS.
الأوراق الخضراء والطحالب البحريّة داخل صحننا اليوميّ
بعد التأكّد من سلامتها كغذاءٍ بشريّ وعدم احتوائها على موادٍّ مضرّة، تجمع الأوراق الخضراء فتغسل وتجفّف ثمّ تطحن، ويمكن حفظها لمدّة ستّة أشهر أو أكثر. يمكن إضافتها الى السلطات أو الوجبات الأخرى كالحساء أو عصائر الفاكهة والخضار، كما يمكن إدخالها في الصلصات والمتبّلات. في بعض الأحيان يُصار الى وضعها ضمن كبسولات وأخذها كمُكمَّلاتٍ غذائيّة. أوراق شجرة المورينغا MORINGA في المناطق الإستوائيّة الحارّة، هي مثالٌ على ذلك، فهي بالإضافة إلى قيمتها الغذائيّة العالية، لها ميزاتٌ وفوائد صحيّة عدّة. مثل شجرة المورينغا، هناك العشرات تمّ اكتشافها وهي تصلح لتأمين الغذاء الطبيعيّ والمتوازن لشعوب البلدان الفقيرة النامية. تجدر الإشارة هنا أنّ الطحالب البحريّة ALGUES ، هي أيضًا مرشّحة أن تكون مصدرًا وفيرًا للغذاء البشريّ والبروتين النباتيّ بشكلٍ خاصّ. هناك اثنتين من الطحالب المجهريّة التي تمّ تحليلها، الأولى تدعى SPIRULINA، والثانية CHLORELLA، متوفّرة على شكل بودرة خضراء داكنة، أو كبسولات أو حبوب مضغوطة، وهي تحتوي على نسبة ٦٠% من وزنها بروتين عالي الجودة، بالإضافة الى مكوّناتها الأخرى الصحيّة من ألياف وأنزيمات وفيتامينات وأملاح معدنيّة.
الأعشاب والنباتات البريّة!
تأخذ الأمور بعدًا آخر عندما ندرس الأعشاب والنباتات والجذور البريّة، لقد شكّلت على مدى العصور جزءًا مهمًّا من غذاء آبائنا وأجدادنا، فمن منّا لا يعرف الهندبة والخبيّزة أو لم يسمع بالقرصعنّة والمشَا والمصيريني والعكوب وحتى القرّيص؟ طبعًا هناك غيرها الكثير من النباتات الغذائيّة والتي يجدر بنا الإضطلاع وتعلّم التعرّف عليها وأماكن تواجدها والفصول الأنسب لتعشيبها، وذلك من خلال الكتب والموثوقات العديدة. هنا لا يسعني سوى التقدّم بالشكر والتهنئة للثنائيّ الدكتور جورج طعمة وزوجته الدكتورة هنرييت طعمة على الموسوعة العلميّة الجديدة “نباتات لبنان المصوّرة”، LEBANON OF FLORA ILLUSTRATED ، هذا المجلّد الفريد هو ثمرة عملٍ دؤوبٍ قاما به على مدى خمسين عامًا من البحث والتقصّي في أحراج لبنان، الغنيّ بتنوّعه النباتيّ والمناخيّ، بقممه ووديانه وساحله وسهوله. بيئته فريدةٌ إذ تنمو فيه أعشاب المناطق الباردة والدافئة أو الحارّة. يحوي المجلّد توثيقًا خاصًّا عن النباتات الغذائيّة وهي عديدةٌ ومنوّعة، كذلك النباتات “المتفرّدة” والتي يتفرّد بها لبنان، ، وثالثة طبيّة تصلح لعلاج الأمراض والتخفيف من عوارضها.
الأوراق والنباتات الخضراء هي هبةٌ من الله، تحوّلها الطاقة الشمسيّة إلى طعام، وفيها قوّةٌ كبيرةٌ لتحسين صحّتنا. إستعمالها في التغذية البشريّة هو وسيلةٌ للمشاركة في كرم الطبيعة وتنوّعها، فلنُدْخِلْها إذن ودون تردّدٍ في صحننا اليوميّ. هناك أكثر من ألف نوعٍ من النباتات المزروعة والبريّة ذات الأوراق الصالحة للأكل أو كإضافاتٍ غذائيّة. يكفي أن نتطلّعَ حولنا، في الجلّ القريب أو التلّة الموازية لضيعتنا أو الغابة الأبعد، لنتأكّدَ أنّه ليس من أزمة غذاءٍ عالميّة.
إعداد الدكتور جورج خليل
portrait-15
Spread the love