يوم الشبيبة العالميّ
تسنّى لي هذه السنة أن أتابع البثّ المباشر لأيّام الشبيبة العالميّة التي جرَتْ بين ١ و ٦ آب (أغوسطس) في ليشبونا، عاصمة البرتغال، وتأثّرتُ جدًّا بها، رغم أنّني لستُ شابّة، بل أنا أمٌّ وجدّة… تجدّد رجائي بهؤلاء الشباب الذين يريدون أن يكون إيمانهم واعيًا وفعّالًا، يبحثون عن أجوبةٍ بانفتاحٍ عظيم، يرغبون حقيقةً بلقاء الآخر المختلف عنهم والحوار معه، بعيدًا عن الظروف السياسيّة والأمنيّة التي تفرّقهم أحيانًا، وينتظرون بشغفٍ لقاءَ البابا فرنسيس كما تلتقي العائلة حول الجدّ الحبيب لتُصغيَ له! أذهلتني مقدرة هذا البحر من الشباب (مليون ونصف المليون شابّ وشابّة) على الإنتقال بلمح البصر من أجواء الصخب والغناء والحماسة إلى الصمت التامّ والخشوع حالما رُفِعَ القربانُ المقدّس على المذبح، وذلك ل٤٥ دقيقة متواصلة. معجزة حقيقيّة!
إنّه البابا فرنسيس” المعلّم: تركَ أكثر من مرّةٍ أوراقَه ليتوجَّهَ للشباب من القلب إلى القلب، حرصًا منه على عيش ثقافة اللقاء التي يدعو إليها، ويقدّم لهم رسائلَ قصيرة، واضحةٍ و”قريبة”، لأنّهم “لا يرتاحون للنصوص المقروءة الطويلة” كما قال هو بذاته للصُحُفيّين خلال رحلة عودته إلى روما…
نورد هنا بعض ما قاله:
“ألله يدعو كلَّ واحدٍ منكم باسمه. لا أعرف إن كنتم تدركون أهمّيّة ذلك! يقرأ ما في داخلكم، يعرف أفراحكم وصعوباتكم ونجاحاتكم وفشلكم، يبتسم لكم ويدعوكم: أنتَ، أنتَ وأنتِ… لِنفكّر بذلك: يدعوني يسوع بإسمي! لقد دُعينا بإسمنا، لكن لماذا؟ لأنّنا محبوبون! يدعونا كلَّ يومٍ ليغمُرَنا، ليشجِّعَنا ويجعلَ من كلِّ واحدٍ منّا تحفةً فريدة. لسنا أفضل من غيرنا، لا، لا. كلّنا خطأة! لكنّ يسوع يحبّني كما أنا، ليس كما أريد أن أكون أو كما يريد المجتمع أن أكون!”.
ممّا قاله أيضًا: “قامت مريم ومضَتْ مسرعةً عندما عَلِمتْ أنّ نسيبتَها حامل. لماذا مضَتْ مسرعة؟ لمْ يَطلبْ منها أحدٌ ذلك. كانت حامل هي أيضًا. مضتْ مسرعةً لأنّها أحبَّتْ! مَنْ يُحبّ “يطير، يُحلّق، يركض بفرح”. إنّ الفرح رسوليّ! نحن الذين أَتَيْنا إلى هنا، لقد حضّرنا أشخاصٌ كانوا نورًا في حياتنا، آباء، أجداد، كهنة، معلّمي التعليم المسيحيّ… هؤلاء هم بمثابة جذورِ فرحنا. لدينا إذًا جذور الفرح وعلينا أن نعطيَ هذا الفرحَ للآخرين. كيف يمكننا ذلك؟ في الحوار معهم! يمكن أن يكون ذلك متعب. ماذا يحدث عندما يتعب أحدٌ حقيقةً؟ لا يعود يرغبُ بالقيام بأيّ شيء، وغالبًا ما يستسلم، يتوقّف ويقع. هل انتهت حياتُه؟ لا! يستطيع أن ينهض! هناك أغنيةٌ جميلةٌ لمُتَسلِّقي الجبال المحترفين تقول: “في فنّ التسلّق ما يهمّ ليس السقوط، بل ألّا تبقى أرضًا”. مَن يبقى أرضًا يكون قد ترك الرجاء! إذا وقع أحدٌ ماذا نفعل؟ نساعده كي ينهض. إنّها الحالة الوحيدة التي يجوز لنا فيها أن ننظُرَ إلى أحدٍ من الأعلى إلى الأسفل، لماذا؟ لنُساعِدَهُ على النهوض! قولوها بقوّة: “لنُساعِدَهُ على النهوض!”.
لا أعرف إذا كان البعضُ منكم يحبّ كرة القدم؟ خلف كلِّ هدفٍ يُحقّقه اللاعب تمرينٌ طويل. خلف كلِّ نجاحٍ تمرينٌ طويل. في هذه الحياة كلُّ شيءٍ له ثمن، ما من شيءٍ مجّانيّ، وحدها محبّة يسوع مجّانيّة!”.
لِنُتابعْ مسيرتنا بهذه المحبّة المجّانيّة ومع محبّة يسوع، لننظر إلى جذورنا، لنتمسّك بالرجاء ونسير دون خوف. أودُّ لو أنظر إلى كلّ واحدٍ منكم بعَيْنيْه لأقولَ لكم: لا تخافوا! سلّموا يسوع أتعابَكُم وأحزانَكُم، تشجّعوا واتبعوه جازفوا واتبعوه! لا تخافوا! لا تخافوا!”.
من الملفت أنّ “نصائحَ” وتعاليمَ البابا فرنسيس تطال الحياة الشخصيّة والمدنيّة والروحيّة، أهداها للشبيبة وللجميع بفرحٍ وقوّةٍ وحنان. لديّ قناعةٌ أنّها انطبعتْ في وجدانهم، كنزًا لا يفنى يُنيرُ مسيرتَهُم، في كلّ وقتٍ وظرف!
إعداد حياة فلاّح
Spread the love