ولادة المجلة
في عيد السنة الثمانين للفوكولاري ١٩٤٣ – ٢٠٢٣
كيارا لوبيك (١۹٢٠ – ٢٠٠٨) هي مؤسِّسة حركة الفوكولاري، وأوّل رئيسةٍ لها، وكاتبةٌ غزيرة الإنتاج. نتوقّف في هذا الجزء الأوّل مع بعض المحطّات المهمّة من حياتها للفترة الممتدّة ما بين سنة ١۹٢٠ حتّى سنة ١۹٣٧.
إنّ “الرسائل” التي بعثت بها كيارا لوبيك إلى أشخاصٍ مختلفين، والتعليقات التي كتبتها على آياتٍ من الإنجيل، ووجّهتها إلى جمهورٍ واسعٍ من المشاركين عادةً في اللقاءات، شكّلت النوع الأوّل من التواصل الكتابيّ في ما بين أعضاء حركة الفوكولاري. لم يكن هذا النوع من الوسائل كافيًا “للزرع”، نظرًا للحماس الرسوليّ للحركة والمنتمين الأوائل إليها. في منتصف الخمسينات، ابتدأ التفكير بوسيلةٍ تكونُ أكثرَ حداثة، بمقدورها نشرَ مثال الوحدة بشكلٍ أوسع. وُلدت فكرة المجلّة.
وبالفعل، أعلنت عنها كيارا في ٤ نوفمبر ١۹٥٥. وكما لو كانت قد رأتها تحقّقت، راحت كيارا تتطرّق إلى الموضوعات التي سيتمّ تغطيتها: الإقتصاد والفنّ والفلسفة وعالم الطبيعة والطبّ والعلوم والسياسة والإتّصالات والدّين.في ربيع عام ١۹٥٦، ذهبت كيارا إلى الأراضي المقدّسة لمقابلة الأب أندريا بالبو(نوفو)، وهو راهبٌ فرنسيسكانيّ، وسيصبح فيما بعد، مُعرّفَها وقريبًا جدًّا منها في أوقات مرضها الصعبة.
في القدس، توقّفت كيارا عند “السلّم الحجريّ” حيث يقول التقليد إنّ يسوع، بعد العشاء الأخير، نزل إلى نهر سيدرون للتوجّه إلى بستان الزيتون، ورفع صلاته الأخيرة قائلاً: “أبتاه، ليكونوا بأجمعهم واحدًا” (يوحنا ۱٧، ٢۱).في غضون ذلك، نما وعيٌ متزايدٌ بأهمّية “التواصل” بين الفوكولارينى، وهو أحد جوانب الحبّ الذي يوحِّد. فبات الوقتُ مناسبًا لإصدار المجلّة المنتظرة. كلّ المطلوب هو الإنطلاقة. لقد تمّ ذلك خلال صيف سنة ١۹٥٦، خلال ماريابولي في فييرا دي بريميرو، وهو اللقاء العام الذي يحمل إسم مريم، ويُعقد في سفح جبال الدولوميت جامعًا بين أطيافه “شعب” كيارا.

صدر العدد الأوّل من الصحيفة في ۱٤ سبتمبر، بعددٍ قليلٍ من النسخ المطبوعة في سيكلوستايل. حملت المجلّة اسم “المدينة الجديدة”. في مقال الافتتاح، الذي، وإن بقي من دون توقيع، هو بالحقيقة لكيارا، وبه تمّ تحديد هدف هذه المجلّة: “أن يكون الجميع مشاركين بالحياة الإنجيليّة التي تُعاش بحماسٍ في عدّة أماكن ويتمّ نقلها لهم أينما حلّوا، هم الذين اتّخذوا على عاتقهم دعوة المسيح، الوحدة.
صدرت أربعةُ أعدادٍ في يوليو وعددٌ آخر في أغسطس، مع توزيعٍ متزايد من ٧٥ إلى ۱٢٠ نسخة. أثبتت هذه الإنطلاقة أنّها ليست مجرّد حريق قشّ، وذلك من خلال الدعوة التي قدّمتها كيارا وأقرب معاون لها، دون باسكوال فوريزي، إلى الفوكولارينى المشاركين في الماريابولي، كي يجرّبوا كتابة مقال، لاختيار “المحرّرين” الأفضل. سيُثبت بوسيلي وأنطونيو بيتريلي ودوريانا زامبوني أنّهم الأكثر موهبة، كما سيكون غوليلْمو أحد المحرّرين المستقبليّين للمجلّة.

جذبت المجلّة، الحديثة الولادة، الكثيرين، بما تضمّنته من مقالاتٍ تعبّر عن النضارة الإنجيليّة، بخاصّةٍ إفتتاحيّات كيارا للرؤية الجديدة للأحداث ولشهادات الحياة الحيّة. وأعربت افتتاحيّة العدد الأوّل عن رغبتها قائلة: “من يدري؟! قد تكون تلك المجلّة المرغوبة التي كنا ننتظرها منذ بعض الوقت، بذرةَ نبتةٍ كبيرةٍ سوف تربط في ما بيننا عندما نعود إلى بلداننا!”.
خمسة آلا ف نسخةٍ بمارس ۱۹٥٧. إنتشرت “المدينة الجديدة”، بدعمٍ من القرّاء الذين اقترحوها على الأقارب والأصدقاء، فكانوا يضمنون كلفتها الماديّة. تابعت كيارا، مع دون فوريزي، كلّ مرحلة من مراحل النموّ، من خلال تأثيرها على مَن يستلمونها، وقناعتهما أنّها يجب أن تصل إلى دائرة أوسع من دائرة الحركة. كانت كيارا توجّه وتشجّع وتقدّم نصائح مفيدة حتّى تبقى المجلّة أمينةً لرسالتها الأولى، أي بثّ الحياة التي ولّدها الكاريزما، والإنفتاح على الواقع الكنسيّ والمجتمعيّ.

في الحقيقة، وإن كانت “المدينة الجديدة” قد انطلقت، كانت الحركة لا تزال تحت الدراسة من قبل الكنيسة، وهذا ما أثار حيرةً أو تساؤلاً عند البعض. أصدر أسقف ترنتو كارلو دي فيرّاري، في ١٨ ديسمبر ١۹٥٨ رسالةً تشيد بالمجلّة. في ٢۱ مارس ۱۹٥۹، عُهِد بإدراة المجلّة التي باتت تُترجَم إلى لغاتٍ أخرى عديدة، إلى إيدْجينو دجُورْداني الذي أدارها حتى وفاته في عام ١۹٨٠.

مجلّة يسوع
“إذا تمكنّا في الماريابولي من توزيع حبِّنا وإيصال فكرنا إلى حوالي ألف شخص، علينا الآن أن نصل إلى عشرات الآلاف من الناس الذين يعرفون روحانيّتنا، لا بل إلى مئات الآلاف أو حتّى الملايين […]. في الوقت الحاليّ، لا نرى سوى طريقةٍ واحدة: إنّها سلسلةٌ جبليّة، طريق، أمل، إنّها مجلّتُنا “المدينة الجديدة”، والتي سمحت “إرادةُ الله” أن تصدرَ بلغاتٍ مختلفة. طبعًا ليست على المستوى المطلوب، ولكن البذرة هي نذير، لأولئك الذين يأملون، للنبتة التي سوف تنمو. لقد كان الحمارُ كافيًا ليحملَ يسوعَ منتصرًا على جبل الزيتون في أورشليم. ليس الأمر أمر وسيلة اتّصال، إنّما قيمتُها بقيمة مَن يوصِلُها.
علينا أن نتعاون في ما بيننا […]، لأنّ تلك الأوراق تحمل يسوع، فكر يسوع، ثمرة حياة يسوع في وسطنا، حياة يسوع في كنيسته، فتصبح المجلّة مجلّة يسوع. وبهذا يُمكِنُنا أن نقول: إنّه هو، هو الموجود بيننا، المخرج والكاتب والداعم. والمروّج […]. نريد لهذه الأوراق أن تكون استمرارًا دائمًا للإنجيل كتعبيرٍ عن حقيقة عَيْشه اليوم”.

أنطونيو بيتريلّي من بعض كلمات كيارا حول مجلّة المدينة الجديدة خلال ماريابولي ۱۹٥۹

المدينة الجديدة

Spread the love