قرب بحيرة داخل الغابة نمت وردةٌ جميلةٌ ونادرة، إتَّشحت بلونها الأحمر الفاتن الذي يُدهش الأنظار. نمت تلك الزهرة بهدوء، وارتوت من ماء البحيرة المنعش فسرى في عروقها ماءُ الطبيعة الذي أكسبها تناسقًا وجعلها تعشق الحرّية.
كانت الوردة تتمنّى في نفسها لو أنّه يمكنها أن تشاهدَ مساحةً أكبر من البحيرة، لكنّ جذورَها المُثبَّتة في الأرض تمنعُها من التحرّك، فكانت مجبرةً أن ترى نفس المشاهد كلّ يوم، وبالرغم من ذلك لم تفقد حبَّها بالمكان وتعلّقها به.
ذات يوم، مرَّ غرابٌ بقربها وانبهرَ من شدّة جمالها فاقترب منها يُحدّثها ويفصح لها عمّا يخالج قلبه من إعجاب. لكنّ الوردة انزعجت من الزائر الجديد الذي يُعكِّر هدوءَ المكان، وحاولت أن تشدَّ نفسها من التراب للإبتعاد عنه بحثًا عن فسحةٍ أكثر هدوءًا، لكنّ الوردة المسكينة اقتلعت جذورَها وهي تُحاول الهرب، فخاف الغراب وطار بعيدًا. نظرت الوردة إلى حالها بذعرٍ لا تعرفُ ماذا ستفعل، وأدركت بأنّها تعيش لحظاتها الأخيرة في ذلك المكان، فراحت تُمتّع نظرَها بالمشاهد المحيطة مودّعةً البحيرة. ما هي إلاّ لحظاتٌ حتّى بدأت تشعر بالحرّ الشديد وبذبول أوراقِها التي بدأت تتساقط عنها، أغمضت عينيها واستسلمت لقدرها، فكانت البحيرة آخر صورةٍ رأتها قبل الرحيل.
مضت الأيّام وتوالت وحلّ فصلُ الشتاء حاملًا معه الأمطار الغزيرة فجرفت السيول الوردة وألقت بها في البحيرة، فسحبتها المياهُ إلى مكانٍ آخر وقذفت بها إلى الضفّة حيث غطّتها ترسّبات الأتربة المنحدرة مع السيول. أخيرًا أشرقت شمسُ الربيع المنعشة للطبيعة وبدأت الحياة تعود من جديدٍ لِتَلبُسَ الطبيعةُ ثوبَها الملوّن. شعرت الوردة بأنّ الحياة تعود إليها ونمت حتى عادت تتنفّس الهواء المنعش من جديد. فتحت عينيها ببطءٍ فدهشت حين رأت جمال المشهد أمامها، لم تصدّق ما تراه! أخيرًا تحقّقت أمنيتُها بمشاهدة البحيرة من مكانٍ آخر! فرحَتْ الوردة من بعد طول عناء، وتعلّمت بأنّ الأحلام قد تتحقّق لكن عليها أن تكافحَ الظروفَ الصعبة لتحقيقِها.
هكذا هي حياتنا قد نصل إلى لحظاتٍ نشعرُ فيها بأنّ أرواحَنا تموت بسبب الصعوبات التي لا يُمكن أن نحتمِلَها، لكنّ أملَ الحياة يبقى أقوى من يأسِ الموت ويُمكننا بالإرادة أن نعيشَ من جديدٍ حياةً أجمل.
هلا قسطنطين