هو يعرف كيف يقودنا إلى حيث يريد
منذ عدّة سنوات، تعرّفنا زوجتي وأنا على “عمل مريم” في مدينتنا في حلب، والتَزَمْنا مع “العائلات الجديدة” بفرحٍ وحماس. إنْدَلَعَت الحرب وخسرنا مَتْجَرَنا وأُصِبْتُ بشظايا القذائف أكثر من مرّة… ظلّ أولادُنا يذهبون إلى المدرسة وإلى الجامعة بالرغم من خطر الصواريخ العشوائيّة التي كانت تسقط في كلّ وقت… ولكن، كان حضور عائلة الفوكولاري بلسمًا دائمًا لجراحنا وملجأً لآلامنا، ولا تزال. كان بقاءُ الأجانب بينهم، بشكلٍ خاصّ، يلمسنا ويُشجّعنا. لقد اختاروا أن يشاركونا الصعاب والأخطار كلّها.
ومن ثمّ وضعَ اللهُ أمامنا مشروعَ “التبنّي عن بُعْد” الذي التَزَمْنا به مع عددٍ من “العائلات الجديدة” مُحاولينَ مساندة ٦۰ طفلاً، نؤمّن لهم الحاجات الأساسيّة والأقساط المدرسيّة ونبحث عن الحلول لمشاكلهم، وكان هذا يُساعدنا على نسيانِ ذاتِنا وصعوباتِنا وقَلَقِنا… وكان يُفرِحُنا جدًّا فرحُ الأطفال وأهلهم في الإحتفالات بعيد الميلاد أو رأس السنة التي كنّا نحضّرها سنةً بعد سنة.
من ناحيةٍ أخرى تعمّقت المشاركة بالخبرات مع العائلات الأخرى، فنحن نشعر أكثر فأكثر بحضور الله في وسطنا، حضورٌ يجعلُنا نَصْمُدُ على الرغم من كلّ شيء.
عندما تفاقَمَتْ موجةُ الهجرة إلى بلاد أكثر أمانًا، خسرنا عددًا كبيرًا من الأصدقاء والأقارب وبدأنا نفكّر نحن أيضًا بالهجرة. كَبُرَ أولادُنا وخسروا هم أيضًا أصدقاءَ كُثُر، وباتوا يشعرون أّنّهم مسؤولون عن مستقبلهم. وفي هذه الفترة بالذات أُصيبَ بيتُنا بصاروخٍ دخل إحدى الغرف ونجت ابْنَتُنا بأعجوبة. بعد هذه الحادثة الخطرة فكّرنا جدّيًّا بمستقبلنا: أنذهبُ أم نبقى؟ إلى متى سَنَتَحَمَّل الخطر على حياتنا ومشاكل النقص في المواد الأساسيّة لحياةٍ عاديّةٍ وكريمة؟ هل نتبعُ مَثَلَ كيارا لوبيك التي عاشت الظروف المؤلمة ذاتها في الحرب العالميّة وأَعْطَتْنا مثالَ الوحدة العظيم الذي اخترناه كنمط حياتنا؟ ألا يُمثّلُ وطنُنا المتألّم وجهَ يسوع المصلوب والمتروك من الجميع وعلينا أن نُحبَّهُ كما هو، بمأساته؟ أَلَيْسَ لدينا رسالةٌ نُقدّمُها له؟ خلال كلّ هذه الفترة بَقِيَ الفوكولاره ويسوع في الوسط هما قوّتنا.
نشعرُ الآن أنّ اللهَ يَخُصُّنا، من خلال اختبار الحرب التي نعيشُها، بنوعٍ من الإمتياز وهو أن نعيشَ ما عاشَتْهُ كيارا لوبيك منذ أكثر من ٧۰ سنة عند ولادة عمل مريم.
نختبرُ كلَّ يومٍ أنّ الصعوبات تُوَلّدُ الإيمان، والإيمان يُوَلّدُ الرجاء. نحن نُسلّمُ قاربَ حياتِنا لله وهو يعرفُ كيف يقودُهُ إلى حيثُ يريد، لأنّ عائلتنا هي لهُ وملكه.
جورج ونيما