نقضي الكثير من وقتنا في العمل. ما هي النقاط الرئيسيّة التي يجب أن ترشدنا لنعيش مهنتنا وفقًا لإيماننا؟
كنّا في السابق نختار العمل الذي يُثير اهتمامنا أكثر من غيره، أو ذاك الذي كان يساعدنا على تحقيق ذواتنا، أو الذي كنّا نكسب منه المزيد من المال، أو بدافع المصلحة، والأسباب متعدّدة.
بالنسبة للمؤمن ينبغي اختيار العمل كفرصة! العمل هو فرصةٌ ثمينةٌ تسمح لي أن أحبّ، أن أعيش إيماني، أن أفعل إرادة الله، أن أحبّ الله فوق كلّ شيء. تسألني: “الذهاب إلى العمل هو كلّ هذا؟ ما دخل الله في ذلك؟”. لله دخلٌ بكلّ تأكيد! أنا أكون في علاقةٍ مع الله إذا أتممت مشيئته. إرادته هي في هذه الساعات أن أقوم بعملي، أن أتمّم هذه الوظيفة، ولكن ليس لأسبابٍ أنانيّة أو لمكسبٍ فحسب، بل لإتمام مشيئته بمحبّة.
تقول كيارا لوبيك: “عندما تعملون لا تخافوا من إضاعة الوقت، فأنتم تفعلون ذلك محبّةً باللّه، أي لإتمام مشيئته، وخدمة المسيح في الآخرين”. كنّا قبلاً نعتبر العمل كعبء، كأمرٍ يجب القيام به للضرورة، ولكن بالنسبة للمؤمن لا ينبغي أن يكون كذلك. يسوع نفسه عَمِلَ، عمل منذ كان صغيرًا إلى أن بدأ برسالته، عمل دائمًا.
يسوع هو الشخصيّة الحقيقيّة، والأعمق في كلّ واحدٍ منّا. علينا، ونحن نقوم بدورنا، ووظيفتنا، ونشاطنا المهنيّ، أن نترك له الأمر، فيكون هو الطبيب، ويكون المحامي، والعامل، والطالب. إنّه أمرٌ رائع، أليس كذلك؟ هكذا يعطي كلُّ إنسانٍ مساهمته الخاصّة في جميع المجالات: في العلوم والفنون والسياسة، فتكون الثورة الإجتماعيّة قد بدأت بالفعل! إذا كان هناك كلّ يومٍ هذه القطرة من المحبّة، سوف يتمُّ في النهاية تجديد المجتمع من الداخل.
بالطبع هناك واجباتٌ والتزاماتٌ لكلّ عاملٍ وموظَّف. على سبيل المثال، الإلتزام بالمواعيد، واليقظة في العمل، وتنفيذ العمل بشكلٍ كامل، ويجب أن تكون لدى العامل تنشئةٌ مناسبةٌ ومواكِبةٌ لجديد المهنة، فهذا جزءٌ من إرادة الله حتّى نتمّم عملنا بشكلٍ جيّد. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يحترم العامل بيئة عمله ولا يستغلّها لمنفعته الشخصيّة، بل همُّهُ تنميةُ العلاقات مع الزملاء بشكلٍ يؤسِّسُ الجماعة كخليّةٍ من جسد المسيح السريّ. لدى صاحب العمل أيضًا التزامات: العدالة، والصدق، والمساعدة ومراعاة قوانين حماية العمّال، والأجور العادلة، والوقاية من الحوادث، الخ…
لذا هناك شيءٌ إضافيّ: أساسيٌّ أن نرى مهنتنا ونحاول أن نعيشها وفقًا لأخلاقيّات المهنة، ولكن هناك إضافة. بأيّ معنى؟ لم تعد المسألةُ مسألةً فرديّة. في السابق كان المرء يذهب، ويختم بطاقته، ويقوم بعمله جيّدًا، ويعود إلى منزله؛ أمّا الآن فكلاّ، لم يعد هذا كافيًا. لماذا؟ لأنّه إذا كان القانون الأساسيّ للأخلاقيّات بالنسبة للمؤمن هو المعاملة بإعطاء المَثَل وبالمحبّة المتبادلة، فإنّ أوّل شيءٍ عليّ بالتالي فعلُهُ عندما أدخل مكتبي، أو مصنعي، أو متجري، هو بناءُ العلاقات. من هنا تولد – وها هنا الجديد – أخلاقيّات جماعة العمل، وليس فقط أخلاقيّات العمل التي تتعلّق بالفرد، ولكن أخلاقيّات الجماعة في العمل، لأنّ ما هو أخلاقيّ يكمن في إقامة علاقاتٍ جيّدة ومُحبّة مع صاحب العمل، ومع زملاء العمل، ومع الزبائن… إنّه أوّلُ واجبٍ أخلاقيٍّ.
أخلاقيّات العمل هي أن نرى ونكتشف من جديد العمل كخدمة محبّة. لذلك لا يجب أن نقول: “الآن و لسوء الحظّ عليّ أن أذهب! لا بُدَّ لي من الذهاب إلى العمل”، بل لنقُل: “لحسن الحظّ يمكنني أن أذهب لخدمة يسوع الحاضر في الجماعة”. إنّها خدمةُ محبّةٍ ليسوع في المجتمع. هذه هي حداثة المسيحيّة، لهذا السبب قلت ‘إنّها ثورة’! إذا عشنا جميعُنا على هذا النحو، سوف يكون العالم مختلفًا، واختلافه سوف يتحقّق حسب مقدار عيشنا بهذه الطريقة.
الأب أمادِيو فرّاري