
تخبرنا والدته: “في عمر الخمس سنوات، حصل على هديّةٍ لطالما انتظرها، فَرِحَ بها لدرجةٍ أنّه أنامها معه في فراشه. بعد بضعة أيّام جاءت راهبةٌ لزيارتنا، وفي الحديث قالت إنّ عيد الميلاد على الأبواب، فإذا كان لدينا ألعابٌ لا نريدها، يمكنُنا المشاركة بها فتُسْعِدَ العائلات المحتاجة. ذهب جورج إلى غرفته وأتى بهديّته الجديدة وقدّمها للراهبة. فسألتُه: “لماذا اختَرْتَ هذه بالذات بين كلّ ألعابك وأنا أعرفُ كم انتظرْتَ للحصول عليها؟”، فأجابني: “حين نعطي، نقدّم أجمل وأغلى ما عندنا، وإلاّ فلا نُعطي البتّة!”.
كان جورج يفكّر دائمًا بإسعاد الآخرين. يتخطّى ألمَه محبّةً بهم. ففي كلّ مرّةٍ يدخل المستشفى للعلاج يأخذ معه عدّة أفلام و DVD player كي يختار زميلُهُ في الغرفة الفيلمَ الذي يُعجبه.
في عيد ميلاد أخته، أعدّ أصدقاؤها سهرةً خارج المدينة. سمع جورج أختَهُ تقول إنّها لا تريد الخروج معهم “لأنّ جورج موجوعٌ جدًّا”. لم يقلْ شيئًا، لكنّه طلب من أمّه أن تساعدَهُ على النهوض، أخذ حبّتَيْن من الدواء المُسكِّن، لبِسَ ثيابه، وضعَ العطر، إبتسمَ لأخته وكأنّ شيئًا لم يكن وذهبا معًا إلى السهرة!
فرحُه ومحبّتُه كانا يؤثّران فعلًا على زوّاره: أحضرَ يومًا دفترًا كي يطلبَ مِن الذين يأتون لزيارته أن يكتبوا له شيئًا. فكتبَ أحدُهم أنّ والدَه وأخيه قد اغْتِيلا في الحرب، وأنّه لم يستطع أبدًا تخطّي هذه المحنة، لكنّه عندما رأى النورَ في عَيْنَي جورج رغم آلامه الشديدة، شعر أنّه تحرّر من غضبه وبدأ حياةً جديدة. أمّا رفيقُ أخته وهو طبيبٌ نفسيّ يميل للإلحاد قال: “لقد غيّر جورج حياتي!”، وخاله الذي أتى من فرنسا ليَزورَهُ خرج من غرفته باكيًا وهو يردّد: “أنا لا أبكي على جورج لكنْ على نفسي! أمضيْتُ نصف ساعةٍ معه فجعلني أعيد حساباتي وأسأل نفسي أين أنا من حياتي؟!”.

كتب اسمه على يد أبيه قبل رحيله
خلال الأشهر الستّة الأخيرة من حياته قام جورج باكتشافٍ عظيم. كان في المستشفى حين اتّصل بوالدته عند الساعة الثانية بعد متنصف الليل، ليقولَ لها “سألتُكِ مرّةً لماذا؟ لماذا أنا؟ فلم تعرفي بما تُجيبي. لكنّ يسوعَ أجابني! وجدتُ صلاةً تقول “سألتُكَ يومًا ربّي، كم تحبّني؟ فقال “لِما تسأل ؟”، فقلتُ “لأنّني أشعرُ بالوحدة وجروحات قلبي تتزايد”… وفجأةً رأيتُ يسوع يمدُّ ذراعيه وِسْعَ الصليب ويقول “أنا لا أحبّكَ، أنا أموتُ حبًّا بك!” أمّي، لقد أجاب يسوع عن سؤالي! أنا أسعدُ إنسان! لأنّ الحبَّ هو الأقوى! إختبرتُ حبَّ الله في قلبي وهذا يكفيني!”.
إمتلأ جورج من محبّة الله فأفاض الحُبَّ والفرحَ على الجميع! حتّى عندما لم يستطع الكلام بسبب الأنابيب التي تساعده على التنفّس كان يكتبُ على ورقةٍ لكلّ الذين يدخلون غرفته: “أحبّكَ جهاد، أحبّك مارون”…
يختم والده قائلاً: ” لماذا عاش جورج ١٨ سنة في ما الأشخاص الذين يعانون من مرضه لا يتخطّون عادةً الستَّ سنوات؟ أعتقد أنّ لديه رسالة، وبشكل خاصٍّ للشبيبة التي تتذمّر أو المُحبطة، أو التي تُعاني من مرضٍ معيَّن… رسالته هي: إذا كنتم تحملون ألمًا أو صليبًا كبيرًا، إختبروا محبّةَ الله لَكم وثقوا بها! ثقوا وستجدون ليس فقط قدرةً على التحمُّل، لكن أيضًا الفرح الذي يسكن في داخلكم وينير عيونَكم وابتسامتَكم، والله يتوكّل بباقي الأمور.
شكرًا جورج، شكرًا لعائلتك، وشكرًا للمَثَل المُعاش الذي وهبته لنا! شكرًا لهذه الهديّة التي ترفعُ النفس وتوجّهُها نحو الله مصدر حياتِنا وفرحِنا! ولِيكنْ هذا العيد الأجمل مهما كانت الظروف…
