عندما نقرأ عن “أبونا بشارة ابو مراد” وعن تواضعه وعن شغفه بالله والساعات الطويلة التي كان يمضيها في الصلاة، يبدو لنا أنّ حياته كانت أقرب إلى النسكيّة. لكن سرعان ما نكتشف أنّه خدم في أكثر من ١٤ قرية، من ساحل الدامور إلى أعلى الشوف في لبنان، يرافق المرضى ويساعد الفقراء، ويهتمّ بالسجناء، ويستفقد مَن لا يراهم في القدّاس، وما أن يسمع بخلافٍ في قريةٍ ما، سرعان ما يبادر إلى إزالة الخلاف بتعزيز رباط المحبّة. كان يتنقّل دائمًا مشيًا على الأقدام وهو يصلّي، خاصّةً صلاة المسبحة.
وهذه نبذة عن سيرة حياته:
وُلد أبونا بشارة سنة ١٨٥٣ في مدينة زحلة في لبنان.
قضى أوّل سبع سنوات من عمره في البيت. علّمتْه حينها والدته الصلاة معها، وعوّدَتْه حضور الصلوات الطقسيّة في الكنيسة، و كان إذا حَلَّ وقتُ اللعب للأولاد، يترك رفاقه ويدخل إلى الكنيسة ليصلّي، ولا يدع أحدًا يدري به.
تلقّى دروسه الأولى في مدرسة “المطران” وكنيسة مار الياس المجاورة لبيته، التي يخدمها الآباء المخلصيّون. هناك أُعجِبَ بغيرتهم في خدمة النفوس وقرّر أن يصبح واحدًا منهم.
في عام ١٨٧٤، قصد دير المخلّص للترهّب بعد أن نال بركة والدَيْه. دخل الإبتداء في دير سيّدة النياح، المجاور لدير المخلّص ودُعي باسم «بشاره» و درس الفلسفة واللاهوت في مدرسة دير المخلّص. ونظرًا لتقواه وحُسن سيرته، أَوكَلَ إليه الرؤساء مسؤوليّة الإهتمام بإخوته الرهبان. في آخر سنين دراسته، لاقوا صعوبةً في إقناعه بأن يرتسمَ شمّاسًا ثمّ كاهنًا، لأنّه كان يُعدّ نفسه بأنّه دون كرامة الكهنوت العظيمة.
في عام ۱۸۸۳ سيم كاهنًا في كنيسة دير المخلّص.
بقول الأب قسطنطين باشا. م. : “شاهدتُ الناسَ تُقبِلُ على الكنيسة للإعتراف لديه بدون انقطاع. فكان يبقى في كرسيّ الإعتراف من نحو الساعة السابعة صباحًا إلى نحو الساعة الرابعة مساءً، يسمع الإعترافات ولم يكن يخرج من الكنيسة لتناول العشاء ولا شُرب كأس ماءٍ ولا أخذ استراحة”.
لم يمنعه إرهاق الرسالة مِن أن يختليَ بحبيب قلبه الإلهيّ، يناجيه لساعاتٍ طويلةٍ في كنيسة دير القمر، حيث اتّخذ غرفةً له بالقرب منها، وهذه كانت عادته أينما حلّ.
في شباط ۱۹۲۷، عاد إلى دير المخلّص شيخًا جليلاً أثقله المرض ليقضيَ فيه آخر أيّامه في الإختلاء والصلاة والتأمّل.
في شباط ۱۹۳۰ توفّي الأب بشاره برائحة القداسة. أُقيمت له جنازةٌ حافلة، ودُفن في قبرٍ خاصّ، حُفر في الجدار الجنوبيّ لكنيسة دير المخلّص.
قداسة الأب بشاره كانت سامية وغير اعتياديّة أينما كان وحيثما حلّ. تأخّر تقديم دعوى تطويبه لأسباب عدّة، منها الحرب العالميّة والزلزال الذي ضرب لبنان سنة ١٩٥٦. أُعلن مكرّمًا سنة ٢٠١٠ وبقي الإنتظار حتى تُقرّ الأعجوبة التي قام بها، (شفاء سيّدة من الشلل)، ليُعلَنَ طوباويًّا.
من أقواله:
لنفتح باب قلبنا لإخوتنا الفقراء، يفتح لنا يسوع المسيح باب السماء
الصلاة والتوبة هما جناحان قويّان بهما نطير نحو السماء
شعاره الكهنوتيّ : «إنّي أقمتُك رقيبًا لهذا الشعب، فكلّ نفسٍ تهلك بسببك، فمن يدك أطلبها» (حز۳ : ۱۷)
ومِن أقواله الأخيرة وهو على فراش الموت:
إذا متّ إيّاكم تخبّروا أحدًا بموتي، أحسن ما يفتكروني الناس شي كتير مهمّ وأنا أكبر الخطأة
عم أشعر مثل لهيب، لهيب النار بقلبي
إعداد حياة قلاّح