مِثلُ بيار ومحمّد
“وعندما سألته: هل حصل، وشَهِدَتْ الجزائر اليوم حوارًا كهذا؟ بدا كمن يحلم.
ليس الحوار سهلاً، ولا سيّما في هذا الوقت. ليس أمرًا يسيرًا أن تجعلَ الناس يَنسون قرونًا من الجدل العميق لتَدْعوهم إلى الثقة. لا يمكن للحوار أن يبدأ، كما قيلَ لي، إذ قبل زمن الحوار، لا بُدّ من زمن صداقة. فالصداقةُ تسمحُ بقولِ كلمةِ حقّ، كلمة تصغي، كلمة لا تُنكرُ الآخَر ولا تسعى لإقناعه”.
هي كلماتٌ حكيمةٌ قالها الأسقفُ بيار كلافيري إلى محمّد سائقِهِ الذي كان يبلغُ من العمر واحدًا وعشرين ربيعًا. صداقةٌ عميقةٌ جَمَعَتْهما ومصيرٌ واحدٌ واجَهَهُما. قُتِلا معًا لتعيشَ “روايتُهُما” حتّى يومِنا هذا. “فلا تكونُ حياةٌ من دون تخلٍّ، ولا حبٌّ من دون تجرّد، من دون مجّانيّة كاملة، من دون هبة الذات بثقةٍ مجرّدة عن كلّ شيء”.
ليس الحوار سهلاً، ولا سيّما في هذا الوقت. ليس أمرًا يسيرًا أن تجعلَ الناس يَنسون قرونًا من الجدل العميق لتَدْعوهم إلى الثقة. لا يمكن للحوار أن يبدأ، كما قيلَ لي، إذ قبل زمن الحوار، لا بُدّ من زمن صداقة. فالصداقةُ تسمحُ بقولِ كلمةِ حقّ، كلمة تصغي، كلمة لا تُنكرُ الآخَر ولا تسعى لإقناعه”.
هي كلماتٌ حكيمةٌ قالها الأسقفُ بيار كلافيري إلى محمّد سائقِهِ الذي كان يبلغُ من العمر واحدًا وعشرين ربيعًا. صداقةٌ عميقةٌ جَمَعَتْهما ومصيرٌ واحدٌ واجَهَهُما. قُتِلا معًا لتعيشَ “روايتُهُما” حتّى يومِنا هذا. “فلا تكونُ حياةٌ من دون تخلٍّ، ولا حبٌّ من دون تجرّد، من دون مجّانيّة كاملة، من دون هبة الذات بثقةٍ مجرّدة عن كلّ شيء”.
كنتُ من مشاهدي مسرحيّة بيار ومحمّد للراهب الدومينكانيّ أدريان كانيار. على خشبة المسرح لعب الشاب جان- باتيست دور الشخصيّتين بيار ومحمّد بمهارةٍ تجعلُكَ تُمسِكُ أنفاسَك وأنتَ على عتبة كلماتٍ تشدُّكَ إلى فوق وتسمو بك، وكان يرافقُهُ مخرجُ المسرحيّة عازفًا إيقاعه على آلةٍ سويسريّة، آلة ال “هانغ”. ديكورٌ بسيطٌ يرتكزُ على أساس الديانتين، أي رمزيَّة الإفخارستيّا للمسيحيّين والقرآن للمسلمين.
هلّل قلبي فرحًا وأنا أتشرّبُ الحوارَ بين بيار ومحمّد وأتأمّلُ بغنى صداقتهما، صداقةٌ عميقةٌ وليدةُ تمايُزهما. فمن غير الواردٍ أن يكون هناك من يحاولُ إقناع الآخر بتغيير دينه أو التأثير عليه سعيًا لإرتداده، بل على العكس تبقى مشدوهًا ومتأثّرًا بجمال حديث كِلَيْهِما وعُمقِهِ وباخْتلافِهما… تتأثّرُ بالإخلاص والتفاني وبحجم الوحدة التي كانت تربطُهُما. كان يعلم بيار جيّدًا أنّه في خطر ولكنّه قرّر بالرغم من ذلك المجازفة، ودفع فيما بعد حياته ثمنًا لها. لماذا؟ لأنّه كان من المستحيل عنده أن يتخلّى عن الشعب الجزائريّ الذي أحبّ والذي كان عرضةً للخطر وفريسةَ العنف في ظلّ أوقاتٍ مريرةٍ لا ترحم. أمّا محمّد وعلى الرغم من إدراكه بالخطر المُحدق ببيار، رفض بدوره التخلّي عن صديقه مقرّرًا مرافقته إلى حيث يذهب، مبرهنًا عن مدى عمق ذلك الرباط القويّ بينهما.
نحن، في هذه الدنيا، أمام خيار؛ أن نصغي إلى عمق ضميرنا أم لا. وضميرُنا الذي يرشدُنا يقول: ها هي دربُ الخير نُصبَ عَيْنَيْك، بإمكانكَ أن تختارَ الحبّ.
ولكلّ “بيار” ومحمّد” في هذا العالم شكرٌ من القلب.
ولكلّ “بيار” ومحمّد” في هذا العالم شكرٌ من القلب.
ريما السيقلي