من قلب الأزمة
“عن أيّ أزمةٍ تتكلّمون يا ابنتي؟ كورونا؟!” هكذا أجابني العمّ جميل حين سألتُهُ عن وضعه في هذه الأزمة. “أُعذري أنانيّة عجوز، لكنّني أشعرُ أنّ الحياةَ ابتسمَتْ لي بعد طول عبوس، وأنّ المرضَ الذي يخافون عليّ منه قد أعاد النبضَ لقلبي الضعيف”.
بدأت القصّة منذ خمسة عشر عامًا، حين جعلني علاء، الشمعة الوحيدة في بيتي، أكثر الآباء فخرًا عند إنهاء دراسته، فقد شقَّ طريقَ النجاح أمام عينيّ، لكنّ وجهةَ هذا الطريق مُعاكسة، أوصلت ابني إلى إحدى أكبر شركات الولايات المتّحدة. هو الآن مديرٌ تنفيذيٌّ في الشركة وأبٌ لِطفلَيْن، غدي ويارا.
لو كنتِ قد سألتِني عنهما منذ شهرين، لكنتُ قد أخبرتُكِ عن ابتسامة يارا الملائكيّة وعن تفوُّق غدي في المدرسة. هذا ما تمكّنتُ من معرفته خلال مكالمات علاء الأسبوعيّة التي لا تتجاوز الخمس دقائق. لكنّ الوباء غيَّرَ حياتي في الشهر المُنصرم، فقد لفت انتباهَ وَلدي إلى شَيْبِ والده وذكَّرَهُ أنّ أهلَنا وإنْ كانوا أبطالَنا الخارقين، إلاّ أنّهم سينزعون رداءَ البطولة والقوّة أمام السنون.
باتَتِ المُكالماتُ الأسبوعيّة يوميّة وطالتْ من دقائِقَ لساعات. علمتُ فيها عن حبِّ غدي للحيوانات وحِلْمِهِ بأن يُصبحَ طبيبًا بيطريًّا، وأنّ الكتابةَ قد وجدت طريقَها لفؤاد يارا، فحوّلَتْ شقاوةَ والدِها إلى قصصٍ بَعْدَ أن حَدَّثتُها وأخيها عن طفولة علاء. شاهدنا سويًّا أفلامَهُما المفضّلة، وعلى الرغم من بُغضي لأفلام الرعب إلاّ أنّني لا أذكرُ متى كانت آخر مرّةٍ اسْتَمْتَعتُ فيها بمشاهدة فيلمٍ لهذه الدرجة، خصوصًا حينما قلتُ “أريد أن أفهمَ ما يُعجبكُما في هذه الأفلام”، فردَّت يارا ببراءتِها المعهودة “لا تخفْ يا جدّي، هذا تمثيلٌ وليس حقيقة”.
لقد باتتِ الحياةُ سريعةً يا ابنتي ومُتطلّباتُها كثيرة، فَأنْسَتْنا مَن نُحبّ وأبْعَدَتنا عن بعضنا. إنّ القُربَ يا ابنتي لا يعترفُ بالمسافات والحبَّ لا يأبَهُ بها. أنا اليوم، وللمرّة الأولى منذ خمسةِ عشرِ عامًا، أشعرُ بأنّ روحي تنبضُ حياةً وعدتُ أرى الدنيا بزهاءِ ألوانها”.
بدأت القصّة منذ خمسة عشر عامًا، حين جعلني علاء، الشمعة الوحيدة في بيتي، أكثر الآباء فخرًا عند إنهاء دراسته، فقد شقَّ طريقَ النجاح أمام عينيّ، لكنّ وجهةَ هذا الطريق مُعاكسة، أوصلت ابني إلى إحدى أكبر شركات الولايات المتّحدة. هو الآن مديرٌ تنفيذيٌّ في الشركة وأبٌ لِطفلَيْن، غدي ويارا.
لو كنتِ قد سألتِني عنهما منذ شهرين، لكنتُ قد أخبرتُكِ عن ابتسامة يارا الملائكيّة وعن تفوُّق غدي في المدرسة. هذا ما تمكّنتُ من معرفته خلال مكالمات علاء الأسبوعيّة التي لا تتجاوز الخمس دقائق. لكنّ الوباء غيَّرَ حياتي في الشهر المُنصرم، فقد لفت انتباهَ وَلدي إلى شَيْبِ والده وذكَّرَهُ أنّ أهلَنا وإنْ كانوا أبطالَنا الخارقين، إلاّ أنّهم سينزعون رداءَ البطولة والقوّة أمام السنون.
باتَتِ المُكالماتُ الأسبوعيّة يوميّة وطالتْ من دقائِقَ لساعات. علمتُ فيها عن حبِّ غدي للحيوانات وحِلْمِهِ بأن يُصبحَ طبيبًا بيطريًّا، وأنّ الكتابةَ قد وجدت طريقَها لفؤاد يارا، فحوّلَتْ شقاوةَ والدِها إلى قصصٍ بَعْدَ أن حَدَّثتُها وأخيها عن طفولة علاء. شاهدنا سويًّا أفلامَهُما المفضّلة، وعلى الرغم من بُغضي لأفلام الرعب إلاّ أنّني لا أذكرُ متى كانت آخر مرّةٍ اسْتَمْتَعتُ فيها بمشاهدة فيلمٍ لهذه الدرجة، خصوصًا حينما قلتُ “أريد أن أفهمَ ما يُعجبكُما في هذه الأفلام”، فردَّت يارا ببراءتِها المعهودة “لا تخفْ يا جدّي، هذا تمثيلٌ وليس حقيقة”.
لقد باتتِ الحياةُ سريعةً يا ابنتي ومُتطلّباتُها كثيرة، فَأنْسَتْنا مَن نُحبّ وأبْعَدَتنا عن بعضنا. إنّ القُربَ يا ابنتي لا يعترفُ بالمسافات والحبَّ لا يأبَهُ بها. أنا اليوم، وللمرّة الأولى منذ خمسةِ عشرِ عامًا، أشعرُ بأنّ روحي تنبضُ حياةً وعدتُ أرى الدنيا بزهاءِ ألوانها”.
فاطمة مكّه