من الغرام إلى الحبّ
سأل الكاهن شابًّا وشابّةً يتحضّران للزواج: “هل أنتما مستعدّان أن تكونا أوفياء لبعضكما طوال الحياة؟” فنظرا لِبَعضهما وأجابا: “حاليًّا نعم! لكن في المستقبل، لا ندري”. على ما يدلُّ هذا الجواب؟ على تأثير ثقافة “المؤقّت”؟ على الشكّ في دوام الحُبّ بعد الزواج، نظرًا لتزايُد عدد الذين ينفصلون في السنوات الأولى من الزواج؟
قبل التعمّق في الموضوع لا بُدَّ من التوقّف عند ظاهرةٍ أخرى وهي أنّه، بِحَسب دراسةٍ بريطانيّة، ٤٥% من الأزواج المُنفصلين يحاولون إعادة بناء زواجهم و٢١% منهم ينجحون في ذلك. في الواقع، إنّ الفترة التي تمتدّ ما بين الفراق والإنفصال التامّ هي في الحقيقة فرصةٌ للزوجَيْن كي يقرأ كلُّ واحدٍ منهما قراءةً جديدةً لقصّتهما. لكن، لا يمكن القيام بهذه القراءة قبل التوصُّل إلى نوعٍ من التجرُّد العاطفيّ. إنّها خطوةٌ أساسيّةٌ قبل الإنتقال الى فترة المواجهة الإيجابيّة بأفكارٍ واضحةٍ وعمليّة، يتحاور فيها الثنائيّ عمّا يُمكن: أن تقدِّمَهُ “هي” ويقدّمَهُ “هو”، لبناء علاقةٍ جديدة.
لفتني مؤخّرًا حديثٌ لِمُعالِجَةٍ نفسيّة خلال برنامج تلفزيونيّ حيث شارك معها زوجان بخبرتهما. فبعد خيانة أحدُهما للشريك، راح هذا الأخير، وبالرغم من ألمه، يبادر بالحبّ تجاه شريكه حتّى توصَّلَ لعَيش المسامحة. وحين سألت المذيعة عن ماهية الحبّ الحقيقيّ وسرّ هذا التصرّف المثاليّ، ما كان من المعالجة النفسيّة إلاّ التأكيد بأنّ السرّ يكمن في الإلتزام بعهد الحبّ والحفاظ عليه، وشدّدت على هذه القيمة، قيمة الإلتزام في مسيرة الحُبّ هذه. لم أكن أتوقّع كلامَها الذي يتعارضُ مع عالمنا، ففي دنيانا الأولويّةُ هي للأحاسيس ولإتّخاذ القرارات من جرّائها، وذلك رغم أنّ الكلّ يعترف بأنّ لا شيء يدومُ دون التزام.
لكن، بالعودة إلى السؤال: “هل يدومُ الحبُّ بعد الزواج ؟ لا بدَّ من الإشارة أنّه في المرحلة الأولى، أي في فترة الغرام، يعيشُ الزوجان نوعًا من الذَوَبان الواحد في الآخر،. ومع مرور الوقت تخفّ حالةُ الغرام ويكبرُ الحبّ الحقيقيّ.
ولكن كيف يتمّ العبور إلى هذا الحبّ الحقيقيّ؟
هناك “تقنيّةٌ” تساعد الثنائيّ في هذه المهمّة: ” تقنيّةُ الحُبّ”. هي تدعو أوّلاً إلى محبّة الآخَر كنفسنا، “أنتَ أنا وأنا أنتَ”، كُلّ ما يمسُّكَ يمسُّني…”. تدعو ثانيًا إلى احترامِ وقبولِ الآخَر باخْتلافه، في الحياة اليوميّة، إنْ في العمل أو في الطريق…، في كلّ مكان. ولماذا؟ لأنّه وبكلّ بساطة، لا يُمكن أن يعيشَ الإنسان طوال النهار التسلّط أو الإنتقاد أو الغضب، وحين عودته إلى البيت و”بِكَبْسة زرّْ” يصبح مُحبًّا ودودًا.
ثالثًا، مَنْ يُريدُ الحُبّ الحقيقيّ يأخذ المبادرة، يُحبُّ أوّلاً، فيقول في نفسه: “ماذا يُمكنني أن أفعلَ اليوم محبّةً بزوجتي أو زوجي؟ أستقبلُهُ بابتسامة، لا بمشاكل الأولاد أو العمل… أغمرُها وأقولُ لها إنّي أحبّها لأنّني أعرف أنّ هذا يحلو لها… أهتمُّ بمظهري من أجله… لا أتأفأفُ لأنّها لم تَكْوِ لي قميصي المفضّل… إنّها مبادراتٌ صغيرة، لكنّنا ندرك كم هي تروي الحبّ وتغذّيه.
رابعًا، الإصغاء للزوج أو الزوجة دون التفكير بشيءٍ آخر، إذ يتحوّلُ الحوار حول أمور البيت، والسيّارة، والميزانيّة إلى مشاركةٍ حقيقيّة تجعل العلاقة بين الإثنين عميقة أكثر فأكثر.
أخيرًا وليس آخرًا، اليقين بأنّه لا يمكنُ الوصول لأيّ شيءٍ ذو قيمةٍ دون تضحية، التضحية التي يتناساها عالمُنا ويرفضُها أحيانًا.
تبدو هذه “التقنيّة” بسيطةً جدًّا مقابل الصعوبات التي يواجهها الأزواج، لكنّها تحتوي على جذور الحُبّ الحقيقيّ الذي يدوم رغم كلّ شيء.
حياة فلّاح
Spread the love