يُحتفل باليوم الدوليّ للسلام في جميع أنحاء العالم في ٢١ أيلول/سبتمبر من كلّ عام. وقد أعلنت الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة هذا اليوم يومًا مخصَّصًا لتعزيز مُثُل السلام، وكان ذلك ابتداءً من العام ١۹۸۱، وقد دعت الأمم المتّحدة جميع الدول الأعضاء والمؤسّسات التابعة لمنظومة الأمم المتّحدة، والمنظّمات الإقليميّة وغير الحكوميّة، والأفراد إلى الإحتفال باليوم الدوليّ للسلام، والإلتزام ببثّ التوعية الضروريّة وروح التعاون للتوصُّل إلى وقف إطلاق النار في العالم كلّه.
وهذه السنة، وبعد أربعين عامًا من الإنطلاقة الأولى لليوم العالميّ من أجل السلام، لا نزال بحاجةٍ قسوى للتعافي من أنانيّتنا ومصالحنا الشخصيّة والسعي لبناء عالمٍ أكثر مساواةٍ وعدلٍ وأخوّة.
إنّ موضوع عام ٢٠٢١ لليوم الدوليّ للسلام هو”التعافي بشكلٍ أفضل من أجل عالمٍ مُنصفٍ ومُستدام”. أكّد الأمين العام أنطونيو غوتيريش في خطابه الرئيسيّ أمام الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة على أهميّة أن يستيقظَ عالمنا هذا، وبخاصّةٍ في ظلّ اقتراب الإنسانيّة من حافّة الهاوية، وتحرُّك العالم في الإتّجاه الخاطئ.
وفي الوقت الذي لا نزال فيه في ظلّ جائحة الوباء هذه، نودّ أن يكون السلام منبرًا لنشر التعاطف والتآخي وفنّ العناية بالآخر. لكن، وحتّى يومِنا هذا، لا زالت الحروب تمارس طغيانها فتبيدُ شعوبًا أو تقذف بها خارج وطنها، لتجعلَ أعدادَ النازحين تتضاعف، وتتفاقم معها الحاجة إلى مأوى وإغاثة. ناهيك عن عدم المساواة الإجتماعيّة، وحالة الطوارئ المناخيّة بسبب الإستغلال المفرط لموارد الكوكب. كلّها تجعل رحلة العمل لترسيخ السلام أكثر إلحاحًا من أيّ وقتٍ مضى، وتسلّط الضوء على الحاجة الماسّة إلى نظرةٍ مستقبليّةٍ جديدةٍ للحياة، تقوم على عيش الأخوّة على المستوى الإجتماعيّ والسياسيّ والإقتصاديّ.
من المؤكّد أنّه ليس من خلال بيع الأسلحة نعطي علامة سلام، فالأولويّات هي لسياسةٍ خارجيّةٍ تعمل وتريد تعزيز الإستقرار والأمن والسلام في جميع البلدان بشكلٍ عام. فالسلامُ يقترحُ اللاّعنف كأسلوبٍ للعمل السياسيّ. يُعدّ اتّباعُ مسار السلام تحدّيًا جبّارًا للضمائر وعليه أن يحفّزَ السياسة للقيام “بخطواتٍ عمليّةٍ جديدة، تحقّقُ المصالحة وتوحّدُ المجتمعات، مُنشّطةً بناء الأخوّة بين الناس.
السلام ترياقُ اللاّمبالاة والعديد من أشكال العبوديّة في عالمنا الحديث الذي يعمل على تأجيج المخاوف والحذر في النفوس، وعلى إعاقة العلاقات بين الشعوب وإمكانيّة الحوار!
إنّ الرغبة في السلام محفورةٌ في قلب الإنسان ومع كلّ إطلالة عامٍ جديد يتوقُ العالمُ للسلام، فالسلامُ هو أفقُ أملٍ يستدعي مسؤوليّةَ كلِّ فردٍ لبناء مجتمعٍ أكثر عدلاً، واضعًا كرامة الإنسان في المركز الأوّل.
يبدأ السلام بإيماءاتٍ صغيرة. إذا أخذنا الوقت اللازم للإستماع إلى بعضنا البعض، وبذلنا الجهدَ لقبول القراءات المختلفة للوضع واتّخاذ خياراتٍ مشتركة… هذا من شأنه أن يزيدَ من جودة عملِنا المشترك ، ويجعلَ الحبَّ المتبادل قادرًا على التغلُّب على النزاعات، حينها ستُحارَب “روحُ النجاسة” المخيفة للفردانيّة. لا يكفي أن نتحدَّثَ عن الشَركة بيننا لنجعلَها واضحة، فالتدريب الجادّ والمستمرّ ضروريّ، ومعرفة كيفيّة تقديم التضحيات والعمل معًا.
أنقل إليكم ما حدث مؤخّرًا في ٢١ سبتمبر بمناسبة اليوم العالميّ للسلام، في الأوروغواي. هذا ما أخبرنا به مؤسّس “living peace”، كارلوس بالما إذ قال: “عاش البعض لحظةً “تاريخيّة” مليئة بالتعاطُف والأخوّة العميقة: لقد تمّ افتتاح معهد ميغيل دي سرفانتس الموسيقيّ الذي أسَّسهُ نيكولاس بيرويتا، السفير الشابّ للسلام والبالغ من العمر ١٥ عامًا، والذي أراد بذلك أن يمنحَ فرصةً للأطفال المحرومين حتّى يتمكّنوا من دراسة الموسيقى، فيكونوا بدورهم أدواتٍ لعيش ونشر ثقافة السلام. وكم من أعمالٍ رائعةٍ أخرى قد شهدها هذا اليوم! هذه السيمفونيّة الرائعة من الأحداث الصغيرة والكبيرة في الكثير من الأماكن مساهمةٌ قيّمة، ولا يُمكن التعويضَ عنها”.
أطيبُ التمنيّات لهذا اليوم العالميّ للسلام وليمتدّ على مدار السنة. لنُجدّد التزامَنا بالعيش والعمل من أجل السلام! لنجعل من أنفُسِنا رسلَ سلام، ونشهد على ذلك في حياتنا الشخصيّة والمهنيّة، فعالمُنا بحاجةٍ للعاملين في قطاع السياسة، والإقتصاد، والصحّة، وبحاجةٍ لنا أيضًا كأفرادٍ متّحدين لنشر السلام حيث وُجدنا.
ريما السيقلي