من أجل البشريّة
في البدء كان الكلمة. وفي بدء هذه المحبّة التي تجعلُ الحياة مُمْكنةً للبشر، كان المسيحُ ولا يزال. حياتُه كلُّها تُعبِّرُ عن المعجزة، كلماتُه تُعلِنُ ذلك. وحدَه إلهٌ عاشقٌ يستطيعُ أن يحويَ الحقائق المُتعالِيَة في صِيَغٍ سهلةٍ وبسيطةٍ ومفهومة.
في تضامُنِهِ لم ولا يُفرِّق بين الأشخاص أو الأعراق أو الطوائف… وضع نَفْسَهُ في خدمة الجميع، مرَّ وسط الحشود، أعطى كلماتٍ وأعطى خبزًا، شفى أرواحًا وشفى أجسادًا.
في خدمته هذه، بالكلام والأفعال، يَكمُنُ جوهرُ حُبِّهِ الذي يتحوّلُ إلى شَرِكةٍ مع البشر. فالجموعُ تطلب يسوع على الدوام، تُحيطُ به، تهتفُ له، ومن الصعب عليه أن يجدَ بعض السلام في مكانٍ منفرد، في أحد القوارب على سبيل المثال. إنّه يعرف الناس وحاجاتِهم، ولذلك يتحدّث ويعمل تِبْعًا لهم. إنّه ليس رجُلًا حكيمًا ينعزلُ في قصر، بل هو خادمٌ في تصرُّف الجميع.
عندما كان هو وتلاميذُهُ مُتْعَبين وجائعين في يومٍ من الأيّام، مَضَوْا في السفينَة إِلى مَكانٍ قَفْرٍ يَعتَزِلُونَ فيه، ووجدوا جَمْعًا من الناس الذين عرفوا خِطَّتَهم، فأسرعوا إلى ذلك المكان. لمّا نزل إلى البرّ رأى جمعًا كثيرًا، أَخذتْهُ الشفقةُ عليهم، لأنّهم كانوا كغنمٍ لا راعِيَ لها، وأخذ يُعلِّمُهم أشياءَ كثيرة. ثمّ عندما رآهم جائعين، أَكْثرَ خمسةَ أرغفةٍ وسمكتَيْن لإطعامهم جميعًا، خمسة آلاف شخص، ولم تكن تلك المرّةُ الوحيدة. كان يسوعُ يفهم الجوع والبؤس، إذ اختبر هو أيضًا الإحساسَ بالجوع والإفتقار إلى ما هو ضروريّ، لذلك تدخُلُ طِلْبةُ الخبز اليوميّ في صلاته الرئيسيّة. […]
إنّ الشهادةَ التي يجبُ أن يُقَدِّمَها المسيحيُّ عن إيمانه هي شهادةٌ بسيطةٌ إذًا، في متناول الجميع. إنّها تشير إلى إعطاء المحبّة شكلٍ مُستمرّ، في كلّ مكان، وفي كلّ موقف. إنّها المحبّة التي هي بالنسبة إلى الجسد الإجتماعيّ ما يُشكّلُهُ الأوكسجين لجسد الإنسان، فَبِهِ يعيشُ المرء، وبدونه يموت (…).
في تضامُنِهِ لم ولا يُفرِّق بين الأشخاص أو الأعراق أو الطوائف… وضع نَفْسَهُ في خدمة الجميع، مرَّ وسط الحشود، أعطى كلماتٍ وأعطى خبزًا، شفى أرواحًا وشفى أجسادًا.
في خدمته هذه، بالكلام والأفعال، يَكمُنُ جوهرُ حُبِّهِ الذي يتحوّلُ إلى شَرِكةٍ مع البشر. فالجموعُ تطلب يسوع على الدوام، تُحيطُ به، تهتفُ له، ومن الصعب عليه أن يجدَ بعض السلام في مكانٍ منفرد، في أحد القوارب على سبيل المثال. إنّه يعرف الناس وحاجاتِهم، ولذلك يتحدّث ويعمل تِبْعًا لهم. إنّه ليس رجُلًا حكيمًا ينعزلُ في قصر، بل هو خادمٌ في تصرُّف الجميع.
عندما كان هو وتلاميذُهُ مُتْعَبين وجائعين في يومٍ من الأيّام، مَضَوْا في السفينَة إِلى مَكانٍ قَفْرٍ يَعتَزِلُونَ فيه، ووجدوا جَمْعًا من الناس الذين عرفوا خِطَّتَهم، فأسرعوا إلى ذلك المكان. لمّا نزل إلى البرّ رأى جمعًا كثيرًا، أَخذتْهُ الشفقةُ عليهم، لأنّهم كانوا كغنمٍ لا راعِيَ لها، وأخذ يُعلِّمُهم أشياءَ كثيرة. ثمّ عندما رآهم جائعين، أَكْثرَ خمسةَ أرغفةٍ وسمكتَيْن لإطعامهم جميعًا، خمسة آلاف شخص، ولم تكن تلك المرّةُ الوحيدة. كان يسوعُ يفهم الجوع والبؤس، إذ اختبر هو أيضًا الإحساسَ بالجوع والإفتقار إلى ما هو ضروريّ، لذلك تدخُلُ طِلْبةُ الخبز اليوميّ في صلاته الرئيسيّة. […]
إنّ الشهادةَ التي يجبُ أن يُقَدِّمَها المسيحيُّ عن إيمانه هي شهادةٌ بسيطةٌ إذًا، في متناول الجميع. إنّها تشير إلى إعطاء المحبّة شكلٍ مُستمرّ، في كلّ مكان، وفي كلّ موقف. إنّها المحبّة التي هي بالنسبة إلى الجسد الإجتماعيّ ما يُشكّلُهُ الأوكسجين لجسد الإنسان، فَبِهِ يعيشُ المرء، وبدونه يموت (…).
قال يسوع للآب: “إنّي بلّغتُهم كَلِمَتَكَ فأبْغَضَهُم العالم لأنّهم ليسوا من العالم كما أنّي لستُ من العالم. لا أسألُكَ أن تُخْرِجَهُم من العالم، بل أن تَحفظُهم من الشرّير… كما أَرْسَلْتَني إلى العالم فكذلك أنا أَرْسَلْتُهُم إلى العالم”. (يوحنا ۱٧، ۱٤-۱٨)
أتباعُ المسيح هم إذا مُرْسَلون من قِبلِهِ كي يُؤدّوا رسالةً في العالم، كي يُحرّروا “غُرفَتَهم الكبيرة” هذه من الشرّ، ويحافظوا فيها على فرح الحياة. ورسالةُ الكنيسة، رسالةُ شعب الله في نظره، ليست الحُكْمَ على العالم والبشريّة، بل إنقاذ هذه البشريّة من أمراض الروح وأمراض الجسد، وانتزاعها من الموت (…).
بعد العشاء والصلاة على مَرْأًى من الرسل، تبدأ الآلام في الوحدة في البستان، حيث يتعرّقُ دمًا بمجرد التفكير بهذه المأساة. ألمحبّةُ تُولَدُ من الألم، تمامًا كما أنّ الألمَ هو الطريق إلى المحبّة.
أخذ المسيح على عاتقه البؤسَ البشريّ وصولاً إلى الموت، والموت على الصليب، مُسمَّرًا على خشبة الإعدام، أمام جَمْعٍ يسخرُ منه، فيما قد هرب جميعُ تلاميذه تقريبًا. ها هو يُعاني من الحزن الأعظم، من الشعور بأنّه متروكٌ حتّى من الآب نَفْسِه، والذي لمَجْدِهِ بالذات كان قد تجسَّد. هو الذي أعلن نفسه مساويًا للآب إنتهى به الأمرُ بين لِصَّيْن، هو الذي أعلن نفسه مَلِكًا، إقْتُرِحَ بَرْأَبّا قُبالَتَه. هو الذي وعد بحُرِّيّة أبناء الله، إنتهى به الأمرُ على خشبة صليب، ولم يفتح فاه أمام القاضي الذي حَكَم عليه بالجلد… فاشلٌ هو.
ها هي المعجزة! أن يربَحَ المسيحُ العالم من خلال “فشله”، وأن يُصبحَ الألم والعارُ والموتُ وسائِلَ سُمُوٍّ وفضيلةٍ وحياة. هذه هي معجزة الألم الذي يُعتبَر محبّة، معجزة الحكمة التي تُحرّر من الكراهِيَة، معجزة القيامة التي تمحو الزمن.
أتباعُ المسيح هم إذا مُرْسَلون من قِبلِهِ كي يُؤدّوا رسالةً في العالم، كي يُحرّروا “غُرفَتَهم الكبيرة” هذه من الشرّ، ويحافظوا فيها على فرح الحياة. ورسالةُ الكنيسة، رسالةُ شعب الله في نظره، ليست الحُكْمَ على العالم والبشريّة، بل إنقاذ هذه البشريّة من أمراض الروح وأمراض الجسد، وانتزاعها من الموت (…).
بعد العشاء والصلاة على مَرْأًى من الرسل، تبدأ الآلام في الوحدة في البستان، حيث يتعرّقُ دمًا بمجرد التفكير بهذه المأساة. ألمحبّةُ تُولَدُ من الألم، تمامًا كما أنّ الألمَ هو الطريق إلى المحبّة.
أخذ المسيح على عاتقه البؤسَ البشريّ وصولاً إلى الموت، والموت على الصليب، مُسمَّرًا على خشبة الإعدام، أمام جَمْعٍ يسخرُ منه، فيما قد هرب جميعُ تلاميذه تقريبًا. ها هو يُعاني من الحزن الأعظم، من الشعور بأنّه متروكٌ حتّى من الآب نَفْسِه، والذي لمَجْدِهِ بالذات كان قد تجسَّد. هو الذي أعلن نفسه مساويًا للآب إنتهى به الأمرُ بين لِصَّيْن، هو الذي أعلن نفسه مَلِكًا، إقْتُرِحَ بَرْأَبّا قُبالَتَه. هو الذي وعد بحُرِّيّة أبناء الله، إنتهى به الأمرُ على خشبة صليب، ولم يفتح فاه أمام القاضي الذي حَكَم عليه بالجلد… فاشلٌ هو.
ها هي المعجزة! أن يربَحَ المسيحُ العالم من خلال “فشله”، وأن يُصبحَ الألم والعارُ والموتُ وسائِلَ سُمُوٍّ وفضيلةٍ وحياة. هذه هي معجزة الألم الذي يُعتبَر محبّة، معجزة الحكمة التي تُحرّر من الكراهِيَة، معجزة القيامة التي تمحو الزمن.
إدجينو دجورداني