في محاولةٍ للتعايش السلميّ وإرساء أسسٍ متينةٍ لبناء مستقبلٍ أفضل، تستوقفنا مبادراتٌ عدّة، منها عيد البشارة في ٢٥ آذار والذي يهدف إلى البحث عمّا يجمع المؤمنين في عالم يعجّ بالإختلافات والمشاكل بين الأديان والثقافات، ومنها ما جرى يومَيْ ٣ و ٤ نيسان ٢٠١٨ في مجلس النواب اللبناني. فما الجديد وهذا الحدث يأتي ونحن على أبواب الإنتخابات؟
إجتمع برلمانيّون من برلمانات الشعوب المسيحيّة ألأرثوذكسيّة والعالم الإسلاميّ في بيروت بمبادرة من البرلمان اللبناني، وبشكلٍ خاصّ بفضل جهود النائب غسّان مخيبر الذي هو عضوٌ في الجمعيّة البرلمانيّة للأرثوذكسيّة منذ سنين عدّة. تلاقى المجتمعون برعاية رئيس مجلس النواب اللبناني الأستاذ نبيه برّي، وكان حاضرًا ٧٥ نائبًا يمثّلون١٦ برلمانًا من أوروبا وآسيا والشرق الأوسط.
من أهداف هذه الجمعيّة تشجيع التواصل بين الشخصيّات والمؤسّسات البرلمانيّة والسياسيّة والكنسيّة والأكاديميّة والفكريّة، سواء من أجل تنمية التراث الثقافي الأرثوذكسي أو من أجل إسهامه في الحوارالعالميّ المعاصر حول حقوق الإنسان والتعايش السلميّ بين الشعوب.
لذا يأتي هذا المؤتمر الذي يضمّ برلمانيّين أوروبيّين وآسيويّين وشرق أوسَطيّين كمساهمةٍ لتوطيد مفهموم السلام والأمن الدُوَليّيْن وتعزيز السياسات العاملة على تحقيق السلام اليوم وغدًا.
كوكبُ الأرض منزلٌ مشترك، لا يُسمح بتدميره من خلال الصراعات والحروب. نعم للعيش السلميّ وإرساء الأسُس لمستقبلٍ أفضل. وُجدَ الإنسانُ كشخصٍ فريد حرّ يتمتّع بحقوق متساوية مع غيره من الناس، وُجد للعيش مع الآخر المُتمايز عنه. ومن أبسط واجباته احترام هذا الآخر واحترام الطبيعة التي تَحتضِنُه. وما الدّين سوى عنصر وحدةٍ بين الشعوب ومن حقّ الجميع التمتّع بحريّة الدّين والمعتقد.
لكنّ الدّين، هذه الأيّام، ومع الأسف، بات مصدر استغلال من قبل مجموعاتٍ لانتهاك حقوق مجموعاتٍ أخرى. فَرفْضُ الآخر هو زيادةٌ في التطرّف، وكلّنا يعلم ما ينتجُ عن التطرّف من صدامٍ واحتدامٍ وإراقة دماء، يُستغلّ الدّين لتحقيق مآربَ وأطماعَ خاصّة.
وبسبب انعدام المساواة والتسامح وبسبب الإنغلاق والتقوقع والإضطهاد تزدادُ وطأة الأصوليّة الدينيّة والإرهاب. ومن المنطق أن نوفيَ هذه المعادلة حقّها: حيث لا تُحترم كرامةُ الإنسان يسهلُ تجنيد التطرّف والتعصّب واستقطاب الشباب المعوزين. نرى اليوم مئات آلاف الأشخاص يموتون في مجتمعاتنا العربيّة. لماذا يحقّق داعش انتشارًا واسعًا؟ لماذا نحصدُ عواقبَهُ الوخيمة؟ لماذا يُحقّق البغضُ انتصارًا ويُمَهَّدُ له عبر وسائل التواصل الإجتماعيّ؟
من هنا ضرورةُ بناء السلام وتعزيز الانفتاح الفكريّ والحضاريّ. فلا بديل عن المصالحة والتخفيف من معاناة الإنسان، ولا بديل عن الحثّ على تشجيع المساعدات الإنسانيّة والاهتمام بالتعليم والتثقيف وكسب المهارات…
في شرقنا، انخفاضٌ ديموغرافيٌّ اليوم للوجود المسيحيّ (وذلك بسبب المنظمات الداعشيّة)، فالهجرة شرّعت أبوابها. ولكن، لا للهجرة ونعم لمحاربة الفساد والتضليل، نعم للبقاء! لا يحقُّ لنا تشويه جوهر وجودنا ومن واجبنا تعزيزه ميدانيًّا، “فالمسيحيّون، كما ورد على لسان أحد البرلمانيّين الشرق أوسطيّين، هم ركنٌ من أركان الوطن، والمسلمون والمسيحيّون هم رِئَتا هذا المشرق. إنّ الإخاءَ الإسلاميّ-المسيحيّ ضرورةٌ إجتماعيّة، لذا من الواجب إيقاف تمويل الإرهاب والحفاظ على القانون الدوليّ لحماية الإنسان والتصدّي للإرهاب بالإتّحاد وبالإحترام المتبادل”.
وتحدّث آخر قائلا: “كفى تفتيتًا بأراضينا وإثارةً للتعصّب الطائفيّ الذي يُخطّط له في أروقة السياسات العالميّة وتستغلّه المنظّمات الإرهابيّة، فتشعله أيضًا داخل الدّين الواحد والبيت الواحد. فالفاعل يخطّط ويدعم ويدرّب ويدفع المال والسلاح، ويخطّط لمئة عامٍ قادمة، ويستهدف البُنى التحتيّة من التعليم والثقافة ويسعى لتغيير العادات والتقاليد لتتماشى مع مخطّطاته. لذا نحن بحاجةٍ للتعاون وحثّ الإدارة السياسيّة والضغط عليها. فمن دون الإرادة الدوليّة لا أمل لإيجاد الحلول في المنطقة”.
وجاء أيضًا: “إنّ الجيل الرابع للحروب هو استعمالُ التكنولوجيا والإعلام، ويجب مواجهته بالإعلام الإيجابيّ. فالكلمة الطيّبة يعقبُها العمل الطيّب، والكلمة الخبيثة يعقبها عملٌ خبيث. الشباب هم المستقبل وما نعيشه من تكنولوجيا حديثة هو أمرٌ غير مسبوق وعلى السياسيّ أن يفكر بهذا الأمر”.
وصدر عن هذا المؤتمر إعلانٌ في غاية الأهميّة سلّط الضوء على العديد من النقاط الأساسيّة من أجل توطيد مفهموم السلام والأمن الدُوَليّيْن وتقوية الحوار بين الأديان، وجاء فيه على سبيل المثال:
– ضمان التوافق اللازم للتشريع الوطني مع النصوص العالميّة حول حماية حقوق الإنسان
– إجراءات مثل مجموعات عمل برلمانيّة مشتركة، تقديم إطار عمل قانونيّ للتعاون، وتبادل المعلومات والممارسات الفضلى بين الهيئات السياسيّة لمحاربة التطرّف العنيف.
– دعم المبادرات الدينيّة الهادفة إلى تحقيق فهمٍ أفضل للآخرين
(…)
“التنوّع في الوحدة والحرّيات الأساسيّة للمسيحيّين والمسلمين في الشرق الأوسط” كان عنوان المؤتمر للحوار البرلمانيّ ومَهْدُه لبنان، هذا البلد الذي، وبالرغم من النزاعات السوداء، عرف كيف يتوّج شجاعته بعمل مصالحة ليُلبِسَهُ أولى اهتماماته ودراياته، لبنان بلد الديموقراطيّة والسِّلْم نموذجٌ للشرق الأوسط! فالإنفتاح ضروريٌّ والحوار بين الأديان أساسيّ. وها نحن على أبواب الإنتخابات والتحدّي قائمٌ كلّ لحظة! ليساعدنا الإله كي نعرفَ كيف نحمل وطننا على أكفٍّ نظيفةٍ واعدةٍ ومتشابكة…
ريما السيقلي