أن نرى احتياجات الناس، ونحاول تلبيتها، فيصبح هؤلاء بعد المبادرة مشاركين معنا من أجل الآخرين، يصبحون أصحاب القرار وأصحاب القضيّة!
مبادارتٌ شتّى وقضايا مجتمعيّة تُقدّمها مؤسّسة تنمية بشريّة مشهّرة لدى وزارة التضامن، منطلقة نحو الجميع، لتحسين البيئة، إذ إنّ العالم يقف أمام تحدٍّ كبير ألا وهو التغيّر المناخيّ، وللتوعية والإحتراز للتصدّي للوباء ونتائجه، ولمَحوِ الأميّة وتعليم البالغين حتّى نيل الشهادة الجامعيّة… مؤسَّسة تسعى لبناء الإنسان وبالتالي بناء الوطن! إنّها “مؤسّسة حورس للتنمية والتدريب”.
إشتقّ إسمُها من العين التي ترمز للإله الفرعونيّ “حورس” لأنّه وفي اعتقاد المصريّين القدماء عين حورس مفتوحة على المجتمع، وعلى مثاله هذه المؤسَّسة، فهي مفتوحةٌ على المجتمع القرويّ للخدمة والتنمية.
إسمه إبراهيم جيد، إنطلق مع أخيه ثروت جيد ومن باب الخدمة، لتلبية حاجات من يحيط بهما، فتدفّقت النِعَم وتكاثر الخير… ومن عمق حياة الواقع انْبَثقَت مؤسَّسة تنمية عاجزة عن التوقّف عند أيّ معضلة، ها هي تحقّق أهدافًا سامية وتصبو إلى المزيد…وكان لا بدَّ لنا من محطّة نتعرّف بها إلى الشرارة الأولى مع الأستاذ ” إبراهيم جيد”:
– طلبت منّي ألاّ أقول مشاريع المؤسَّسة بل مبادراتها، ما هو الفرق وماذا تقصد بذلك؟
عندما بدأنا بفكرة “مؤسَّسة حورس للتنمية والتدريب”، كانت بحدّ ذاتها مبادرة من قِبَلِ مجموعة شباب موجودين معًا في قرية “نزلة عُمارة”، لذا نهجنا هو نهج المبادرات وليس المشاريع، فالمشروع ينتهي مع انتهاء تمويله، أمّا المبادرة المنبثقة من الناس، لتلبية الإحتياجات الحقيقيّة الموجودة لديهم ولحلّ مشاكلهم، فهي تَستمرّ ولا يردعها رادع.- رأيت في المكتب شهادات عديدة حصلتم عليها، ممّن هي؟
مؤسَّسة “حورس” هي عضوٌ في عدد من الشبكات والهيئات الإقليميّة والدوليّة. هي عضوٌ مؤسِّسٌ في الشبكة العربيّة لمحو الأميّة وتعليم الكبار على مستوى الوطن العربيّ، وهي عضوٌ في الشبكة العربيّة للتربية المدنيّة ” أنهر” . هي موجودةٌ أيضًا على مستوى الوطن العربيّ. نحن عضوٌ في المجلس العالميّ لتعليم الكبار وعضوٌ مؤسِّسٌ في الحملة العربيّة للتعليم، وعضوٌ مؤسِّسٌ في البيت العربيّ لتعليم الكبار والتنمية “عهد”. حصلنا على شهادات تكريم من أكثر من هيئةٍ تمويليّة في مصر، وعلى سبيل المثال أذكر هيئة “إنقاذ الطفولة”، وهيئة “بلان إنترناشونال”، وهيئة “أميديست”.
– كيف أتَتكَ الفكرة مع أخيك لإنشاء هذه المؤسَّسة ومن أين انطلقتما ولماذا أنتما ملتزمان بها؟
كان الإنطلاق في التسعينات ومن رحاب كنيستنا بالتحديد، حيث كنّا نعمل مع كاريتاس مصر في فصول تعليم الكبار. كانت كاريتاس مستعدّة لفتح مكتبة إسمها “المركز الثقافيّ لخدمة المجتمع” في القرية التي تحوي أكبر عددٍ من فصول محو الأميّة، وكان الهدف من المكتبة مساعدة الخرّيجين، إلى أن تحوّلت بعد فترة إلى مؤسّسة مستقلّة. من هنا انطلقنا!
شارك المؤسِّس إبراهيم جيد، ممثّل منطقة الصعيد في جمهوريّة مصر العربيّة، في ۱٠ يناير ٢٠٢٢، باليوم العالميّ المحدّد من قبل جامعة الدول العربيّة “لتعليم الكبار ومحو الأميّة”. هذه العضويّة لها من العمر ثماني سنوات، قد سمحت للمؤسَّسة بخلق علاقاتٍ إقليميّة ودوليّة في آن.
تعرّفنا ب “نشأت” وهو مِمَّن انتموا لهذه المبادرة وأضحوا من صُنّاعها:
– “نشأت” عرفنا أّنك من خرّيجي “محو الأمّية للكبار”، أيمكنكَ أن تشاركنا بخبرتك مع المؤسَّسة؟ كيف عرفت بمشروع المؤسَّسة وكيف انضممت إليها؟
في البداية، تابعنا مع الكنيسة في فصل محو الأميّة وكانت المكتبة موجودة كمركز ثقافيّ يساعدنا على عدم الرجوع إلى الأميّة مرّة أخرى. كنت أقصد المكتبة باستمرار وأُكثِر من القراءة، ولما تحسّن وضعي دخلت المدرسة الإعداديّة ومن خلال المكتبة انضممتُ للمؤسَّسة.
– ما الذي غيّره التعليم في حياتك؟ وما الذي اكتسبته؟
إكتسبت الكثير، كنت أتضايق جدًّا عندما أرى كتابًا ولا أستطيع قراءته، كأنّني عاجزٌ وأعمى. أمّا الآن فقد اختلف الوضع، تعلّمت وأطلقت مشروعًا جديدًا، وعرفت كيف أتعامل مع الناس بالورقة والقلم.
– أنت بالتأكيد تتألّم عندما ترى أطفالاً لا يذهبون إلى المدرسة لأنّك عرفتَ قيمة العِلم. ماذا تقول للأهل الذين لا يذهب أولادُهم إلى المدرسة؟
أقول للأب حاولْ بكلّ قدرتك أن تعلّمَ ولدك حتّى ولو اضطُررتَ أن تبيعَ ما عندك من أجل العِلم، فأهمُّ شيءٍ هو أن يتعلّم أولادُكَ في عصرٍ للعِلم فيه الأوليّة. الإنسان الأميّ لا لزوم له في هذا الزمن، التعليم شيءٌ أساسيّ.
– فهمت من حديثك أنّك أصبحت تساعد وتساهم كعضوٍ في المؤسَّسة. هل تخبرنا قليلاً عن دورك؟
نعم، أنا رئيس مجلس الأمناء بالمؤسَّسة، أتابع مع الفريق أيّ شيء هم بحاجة إليه. أودُّ أن أختم مؤكّدًا بأنّه حين نبذل أنفسنا ونضحّي في سبيل الآخرين نختبر سعادةً كبيرة، كم أفرح حين أرى من أمامي يفرح.
ثمّ توجّهنا إلى “تحيّة” لنسألها عن خبرتها هذه، فراحت تتكلّم بعفويّة وخجل، فتلمع عيناها بنور المعرفة وتتباهى نظراتها بما وصلت إليه!
– “تحيّة”، علمنا أنّك انضممتِ أيضًا لمبادرة تعليم الكبار، متى التحقتِ بالمؤسَّسة لتتعلّمي في رحابها؟
لم أتلقَّ التعليم في صغري وعندما علمت بمبادرة تعليم الكبار إلتحقت بها على الفور. أخذت الشهادة من المؤسَّسة ثم أنهيتُ دراستي حتّى الصفوف الثانويّة لألتحقَ بعدها بمعهد التمريض.
– أنتِ إذًا شخصٌ بدأ من الصفر وأتمَّ دراسته دون أن يردعكِ شيءٌ! ما هو الدافع وراء رغبتك بالتعّلم وإكمال الدراسة وما هو شعورك اليوم بعد أن تعلّمتِ وأصبحتِ قادرةً على مشاركة الآخرين بمعرفتك وعلمك؟؟
عندما كنت أرى الأطفال يذهبون إلى المدرسة كنت أتساءل وأنا؟ لماذا لا أتعلّم مثل الآخرين؟ لماذا مرّ كلّ هذا الوقت ولم ألتحق بمدرسة؟ ولمّا عَلِمتُ بشأنِ دروس محو الأميّة تسجّلت.
إنّ العِلمَ عكس الجهل. كم اختلف الوضع اليوم، فمن إنسانةٍ غير متعلّمة إلى إنسانةٍ مثقّفة وعاملة في بناء المجتمع.
“العلم نور وأمان، كلمة تربط اللسان، ننسى ولا نبان، بالعلم دومًا أمان.
إمسكي قلمك وتحرّري، في كلّ كلمة تُقرّري، وبعلمك وذكائك تتقدّمي.
عهدي يا ربّي أقوله، لكلّ الدنيا وأصونه
إني أتعلّم الحروف، وألغي في نفسي الجهل والخوف
العلم هو الأساس، كلمة ترفع الراس ولا تداس.
إسم قصيدتي هذه “إحساسي بالعلم”. كلّما تقدّمت خطوةً في المعرفة كتبت. العلم أساسيّ، لكأنّني كنت في ظلمةٍ دامسة خرجت بعدها إلى النور.
– يتأثّر بكِ الآخرون أليس كذلك؟ السيّدات والفتيات… هلاّ وجّهتِ اليوم كلمةً لكلّ امرأة في المجتمع المصريّ لم تتعلّم؟ ماذا تقولين لفتاة اليوم حتى تكون بدورها رائدةً في مجتمعها؟
أصحابي جميعهم شجّعوني مفتخرين بما وصلت إليه. لمسوا قدرتي على التعلّم والتقدّم واليوم هم أيضًا يكملون تعليمهم، وغالبًا ما يسألوني عن النظام وطريقة تخطّي العقبات التعليميّة، وأنا أنصحهم وأشجّعهم. أقول لكلّ امرأة إنّ التعليم أساسيٌّ في حياتك، كلّما زاد علمُكِ كلمّا فُتحَت المجالات أمامك وتفوّقتِ. أنصح كلّ سيّدة بتحصيل العِلم، فهذا يزيد من احترامها لذاتها واحترام الآخرين لها. هذا ما حصل معي، كلّ من عرف بكفاحي وما وصلت إليه قال: “أنت بحدّ ذاتك قصّة”!
ومن محو الأميّة وتعليم الكبار إلى التوعية في مواجهة كورونا، فقد علمنا من المؤسِّس ما يلي:
“نتكلم اليوم عن مشروع دعم “الشباب المصريّ” بالمجتمع. هذا العام السادس للمشروع الذي أسَّسته مؤسَّسة “حورس” أو هي النسخة السادسة منه. يُنفّذ هذا المشروع مع عددٍ من الجمعيّات المحليّة والأهليّة، وهو يهدف لتفعيل دور الشباب في قلب المجتمعات حيث يوجَدون، ليصبحوا قادرين على حلّ القضايا المجتمعيّة الموجودة عندهم. خلال هذه السنة تمّ العمل مع ٦ مبادرات من خلال جمعيّات شريكة. وبسبب الوباء واقتحامه حياتنا وجّهنا المبادرة لتوعية الأطفال توعيةً صحيّةً كاملة ضدّ هذا الفيروس، وذلك من خلال مسرح العرائس، وسينما الأطفال، وتوعية السيّدات والأطفال، وعرض بعض الأفلام التي سمحت للأطفال بانتقادها والتعليق عليها والتمييز بين العادات السليمة والعادات السيّئة التي من المفروض تجنّبها، بحيث يستطيع الطفل بعدها أن ينقلها بدوره لسائر أفراد الأسرة.
دعمت هذه المبادرة جهود الدولة في مواجهة ومكافحة فيروس كورونا المستجدّ. تمَّ تنفيذ حملتين بمكبّرات الصوت وطباعة رسائل توعية وُضِعتْ داخل مسابقة تلوين للأطفال، حصل فيها الفائزون على جوائز في ختام المبادرة.
بالتأكيد نجاح مبادرتنا في كلّ الأماكن يرجع لإدارة التدريب لأنّ تنمية التدريب أدّى إلى مشاركة فعّالة بالكامل وصنع فرقًا وحقّق النجاح”.
وكيف لا نتحدّث إلى منسّقة المبادرات “إرين” العاملة في مؤسّسة “حورس”. وبما أنّ مصر تستضيفُ رسميًّا وبإسم القارّة الإفريقيّة مؤتمر كوب ٢٧ في نوفمبر ٢٠٢٢، والجهود تُواصَلُ ليتُمَّ التعاون من خلال الشراكات والحوارات لتحقيق إنجازاتٍ مفصليّة “لمداواةِ بيئتِنا ونجاةِ اخضرارها”، أردنا أن نعرف منها عن المبادرات المتعلّقة بالعناية بالبيئة، فقالت:
“كنّا نعمل مع طالبات الإعدادي والثانوي في البداية لتحفيزهنّ على متابعة تعليمهنّ، ومع نهاية المشروع قرّرنا أن نبادر خارج المؤسَّسة. أصلحنا أثاثات إحدى المدارس وساهمنا في تنظيفها، ثمّ قصدنا مدرسة تقع بقريةٍ في الجوار. بدايةً، حفرنا الأرض الترابيّة عاملين بأيدينا وبأدواتٍ مناسبة لذلك. وفي اليوم التالي، أتَيْنا بالأشجار وزرعناها. قابلنا الطلاّب وأعطيناهم حصصَ توعية حول كيفيّة الحفاظ على الأشجار في مدرستهم. وكنّا بين فترةٍ وأخرى نذهب لتفقُّد المكان، ولا زلنا نتابع مع المدرسة ونشجّعها على زراعة المزيد. هذه السنة سوف نزرع الأشجار في قريةٍ كبيرةٍ أخرى بطَلَبٍ من سكّان القرية الذين رغبوا بتشجير قريتهم بتوجيهٍ من مؤسّسة “حورس”.
لاحظنا أنّ اهتمام الأهالي بموضوع التشجير تفاقم نتيجة عملنا هذا. فقد أعطى المسؤولون عن المبادرة شجرةً لكلّ طفل تكون له، وتنمو على إسمه ويكون المسؤول الأوّل عنها فيحافظ عليها ويرويها ولا يسمح لأحدٍ بقطعها. كما سوف نتابع عمليّة التشجير في القرى الأخرى ونقوم بمسابقةٍ للأطفال يفوز فيها أفضل شارع شُجّر. هو تشجيعٌ لهم ونحن نهدف من خلالهم إلى توعية أهاليهم. نحن في أرض زراعيّة ولكن من دون أشجار، لذا نرغب بمتابعة هذه المسيرة في الأماكن السكنيّة من أجل الحفاظ على البيئة والعناية بها”.
أمّا مارينا فهي أجدد عضوٍ في المؤسّسة. كانت في منزلها تعيش بين جدرانه دون عمل أو هدف. تخبرُنا قصّتها: “من حظّي أنّ المؤسَّسة تقع قرب منزلنا، ممّا جعل والدي يوافق على أن أعمل فيها. ولنموّ ثقة أهلي بالمكان، سمحوا لي أن أخرج للتدريبات ممّا أعطاني خبرةً كبيرة في هذا المجال، وبعد أن عملت كسكرتيرة، أصبحت اليوم قادرةً على إنجاز أعمال أيّ موظّف إذا اضطُرَّ أن يغيب، فنحن هنا عائلة نملأ كلَّ فراغ لنُنجِزَ الأعمال. لقد زادت ثقتي بنفسي، فأصبحت قادرةً على مخاطبة الناس حول العمل والمشاريع والقروض. أتعامل مع العملاء وأتّصل بهم في حين كان ممنوعًا عليّ أن أحدّثَ أحدهم، كأيّ فتاةٍ أخرى. مع هذا التطوّر إكتسبتُ ثقةً كبيرة، وهجرني الخوفُ والتردد. والأروع من ذلك أنّني اكتشفت مواهب أعطاني الربُّ إيّاها.
من فتاةٍ لا تعمل إلاّ في منزلها أصبحتُ فتاةً عاملةً وفاعلةً في مجتمعها بقوّة، وها أنا أحثّ رفيقاتي على اتّباعِ خطواتي. لقد قمتُ بالخطوة الأولى، واليوم كثيرات تأثّرن بما صنعت، فلحقنَ بي وتعلّمنَ. لم أكن أشعر في السابق بقيمتي الذاتيّة، أمّا اليوم فأنا جدُّ سعيدة لأنّه صار عندي هدفٌ أحيا لتحقيقه، وألحظُ كم أنّ حياتي في كلّ يوم تتغيّر نحو الأفضل”.
إنّ العملَ كثير، والمجالات تكاد لا تُحصى، وها هي “مؤسّسة حورس للتنمية والتدريب” تستعدّ للمراحل القادمة، مثل العمل من أجل ذوي الإعاقة البصريّة وعلاج التقزّم ومساعدة الأطفال الذين تركوا كتبهم ودفاترهم للعودة إلى مدرستهم، وغيرها من المبادرات التي تحتضن هموم الناس والوطن. إليكم تحيّة إجلال وشكر يتدفّق من قلوب من يعمل معكم، ومن خلالكم، يتدفّق من قلوب أبناء هذه الإنسانيّة.
إعداد ريما السيقلي