إنّه حقًّا لمفهوم قويّ! إنّه حقًّا قادرٌ أن يغيّرَ طريقة تفكيرِنا بشكلٍ جذريٍّ ويقوّمَ مسارَ حياتنا.
فلنكُن صريحين ولا نُخفِ أنّ لكلٍّ منّا عدّوًّا، صغيرًا كان أم كبيرًا.
قد يكون هذا العدوُّ ساكنَ الشقّة المجاورة، أو تلك السيّدة الثقيلة الظلّ المتطفِّلة التي أتهرّبُ منها في كلّ مرّةٍ تكون على وشك أن تدخُلَ المصعد معي…
إنّه هذا القريب الذي حَرمتُهُ التحيّة لأنّه، ومنذ ثلاثين سنة، ألحقَ ضررًا بوالدي.
إنّه ذاك التلميذ الجالس خلفك على مقعد الدراسة، ولم تعد تنظر إليه قطّ وجهًا لوجه، منذ أن وشى بك إلى المعلّم…
إنّها صديقتُكَ التي هجرتكَ ذات يومٍ لترتبطَ بأحدٍ غيرِكَ.
إنّه هذا التاجر الذي غشّكَ…
إنّهم هؤلاء الأشخاص الذين نختلف معهم سياسيًّا ونسمّيهم أعداء.
كما أنّ هنالك اليوم مَن يعتبر النظام القائم في وطنه عدوًّا ولا يتأخّر عن ممارسة العنف ضدّ مَن يمثّلونه. ويوجد كما وُجد دائمًا مَن يعتبر الكهنة أعداءً له ويُبغض الكنيسة.
نعم، علينا أن نحبَّ هؤلاء وغيرهم الكثيرين ممَّن نسمّيهم أعداء.
هل علينا أن نحبَّهم حقًّا؟
نعم، علينا أن نحبّ هؤلاء. ولا نعتقدنّ أنّنا نحبّهم بمجرّد استبدال شعور الكراهية لدينا بآخر أكثر لطفًا ورقّة. لا بل علينا أن نذهب أبعد من ذلك. إصغِ إلى ما يقوله يسوع: “أحبّوا أعداءكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم، باركوا لاعنيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم”.
هل رأيت؟ يريدنا يسوع أن ننتصرَ على الشرّ بالخير. يريد حبًّا نترجمه أعمالاً حِسّيّةً وملموسة.
قد نتساءل كيف يمكن ليسوع أن يُعطيَنا وصيّةً كهذه؟
يعطينا إيّاها في الواقع لأنّه يريد منّا أن نُكيّفَ سلوكنا مع سلوك الله أبينا الذي “يشرق شمسَهُ على الأشرار والصالحين، ويُنزل المطر على الأبرار والظالمين”.
هذا هو الواقع. لسنا وحدنا في هذا العالم، بل لنا آبٌ واحدٌ وعلينا أن نتشبَّهَ به. لا بل أفضل من ذلك، فللّه علينا حقٌّ في أن يُطالبنا بهكذا تصرّف، لأنّه أحبّنا أوّلاً، إذ كنّا بعدُ أعداءً له غارقين في شرورنا، فأرسلَ لنا ابنَهُ يموت من أجل كلّ واحدٍ منّا معانياً بأفظع طريقة.
قد يتوجّبُ علينا نحن أيضًا أن نُعيدَ النظر في بعض مواقفنا، لأنّه سيُحكم علينا قياسًا لحُكمنا على الآخرين. فنحن نعطي الله القياس الذي سيحكم به علينا.
ألَسْنا مَن يطلبُ منه عندما نصلّي “واغفرْ لنا خطايانا كما نحن نغفرُ لِمَن خطئَ إلينا”؟
لنُحبّ العدوّ إذًا، وبهذا التصرّف فقط نستطيع أن نُحلَّ مشكلة التفكّك والشقاق ونهدمَ الحواجز في ما بيننا ونبنيَ الجماعة.
إنّه لحملٌ ثقيلٌ ومُتعب؟ وإن فكرّنا به مليًّا لن نستطيع النوم؟ لنتشجَّع، إنّها ليست نهاية العالم: جهدٌ صغيرٌ من قبلنا والله كفيلٌ بال ۹۹% المتبقّية… وسيفيض قلبُنا فرحًا.
كيارا لوبيك