معانقةٌ بين الألم والحياة

يبدو لنا للوهلة الأولى أنّ الألمَ والحياة واقعان متناقضان وكأنّ هوّةً سحيقةً تفرّقُ بينهما.
ولكن، لو تأمّلنا بهذين الواقِعَيْن عن كثب، لوجدنا أنّ الحياة تنطلقُ لتشرقَ من أحضان الألم. هذا ما عايَنتُهُ وعِشتُهُ في لبناني. ألمٌ وحياةٌ يتعايشان ويتزامنان، لا بل يترافقان متأبِّطَيْن أذرُع بعضهما البعض.
بالرغم من علامات الإرهاق الواضحة على مُحيّا هذا الشعب، إنْ بفعل الوضع الإقتصاديّ الذي يضغط على عنقه، وإنْ بفِعلِ الأطماع التي تُعيي كاهِلَه، وبالرغم من كلّ المحاولات المتكرّرة لِسَحقه، إلتقيتُ شعبًا يشبه طبيعة أرضه. شعبٌ يعشقُ الحياة مثل عشق الطبيعة الساحرة المتألّقة بتدرُّج ألوانِها ما بين الأخضر الأصفر والأخضر الزيتيّ للغَيثِ والشمس والندى، مثل عشق اللوحات الفاتنة التي تمتدُّ تحت ناظرَيْك لِتَسبَحَ في الأفق وتُسبِّحَ الخالق، شعبٌ يعشقُ الحياة كعِشقِ ناظرَيْك لبهاء وُدْيانٍ وجبالٍ خلّابةٍ تفوقُ بروعتها كلَّ وصف، وتضفي جمالاً على نفسك ومحيّاك. نعم، رأيتُ وتأمّلت… في درس الحياة هذا.
فحياةٌ كهذه لا تُرتجل! كما لا تُرتجل قوّةُ زَخْمِها النابض في العروق!
لا يبغي أحدٌ أن يرى الألم يدخل عالمه، ولكن، حين تكون في دوّامة الألم تفهم أنّ كلمةَ “ألم” هي جزءٌ لا يتجزّأ من كلمة “حياة”. حين تكون في عتمة الظلمات تولدُ فيك حوافزُ تعزّزُ رغبَتَكَ بالتغيير نحو الأفضل، تخلقُ فيك قوّةً لتُتابع المسيرة. حين يلفُّكَ الليل من دون نهايةٍ تُدركُ قيمة النور، حين تسأمُ العزلة تدركُ معنى الصداقة، حين يُسمّرُكَ الألم الجسديّ تعرفُ نعمة العافية… لكأنّ الأمورَ المتناقضة تترافق إلى درجة الإتّحاد والإرتباط في ما بينها. هكذا الألم والحياة! فقبولُ الألم يفتح غوالِقَ النافذة نحو حياةٍ جديدة، وتجد في الرجاء صديقًا أمينًا حقيقيًّا، مُتمكِّنًا حتّى لو خُيِّلَ لك أنّه شحَّ أو غاب.
أوقاتٌ كهذه لا تُرتجل، ولا تأتي بشكلٍ عفويّ.
إنّ الألمَ يخطُّ بكلماتٍ من نور تاريخَ هذا الشعب وحاضِره، كما يفعلُ بكلّ من يتألّم، ليجعلَهُ قادرًا على التطلُّع إلى الشمس فيلبَسَ حُللاً من نور، ويتجرَّأَ بأن يحلُمَ بغدٍ أفضل.
أفلا يكون هذا الألم مُحرّكًا يضخُّ الرجاء إلى حين إشراقة فجرٍ جديد؟

ريما السيقلي

Spread the love