مريم لإنسان اليوم

إنّ لمجموعة الفوكولاري إسم ثاني وهو “عمل مريم”، لأنّ كل أعضاء المجموعة مقتنعين أنّ مريم هي التي تعمل وتفعل. إنّ مريم تُعلِّمنا كيف نكون مسيحيّين في يومنا هذا. إنّ روحانيّة الفوكولاري هي واضحة، وسأوضح بعض نقاطها الرئيسيّة.
إنّ مريم من خلال مجموعة الفوكولاري تدعو إنسانَ اليوم لإختيارٍ مهمّ، وتوضح له ما الهدف الذي يجب أن يحيا من أجله، ومن هو الذي يجب أن يأخذ المكانة الأولى في قلبه.
في عصرنا كما في كلّ العصور، يبحث كلُّ إنسانٍ عن معنى لحياته ويتصرّف على حسب هدفٍ محدّدٍ يرغب في الوصول إليه. لكنّ إنسان اليوم، لكي يحقّقَ أحلامه، تخطّى كلّ القيم والمبادىء لدرجةٍ إنّه لم يعُد يتذكَّر من خلق هذه الحياة. تَعْلَم مريم جيّدًا أنّ الحياة لا تنتهي على هذه الأرض، لذلك تدعو إنسان اليوم، ألاّ يكون هدفُ حياته فرضَ الذات، والإستقلاليّة، والرفاهيّة، إنّما أن يكونَ الله الهدف الأول كما فعلت هي.
إنّ مريم عاشت من أجل الله وآمنت به وكان كلّ شيء بالنسبة لها.
إنّ الله هو الوحيد الذي يعطي معنى لحياتنا على هذه الأرض، ولحياتنا الأبديّة. ورغم أنّ الكثيرين لا يهتمّون بالله، فهو موجودٌ وسيبقى معنا إلى الأبد. لذلك على الإنسان، اليوم، أن يرتدَّ وألاّ يكون هو بذاته مركزَ إهتمامه بل الله.
ولكن كيف تقدِّم مريم الله لإنسان اليوم؟
إنها تقدِّم الله بجوهر حقيقته، أي الله محبّة. في الواقع الله بحسب الإيمان المسيحيّ هو محبّة. ومريم بتقديمها الله على حقيقته كمحبّة، تكشف للإنسان إنّه ليس وحده الذي يقود حياته، ولكن هناك من يحبُّه ويفكّر فيه، وهو أبٌ له أكثر من أبيه الأرضيّ. لنؤمن بمحبّة الله، ونحيا بهذا الإيمان، فنُردِّد ما قاله القدّيس يوحنّا: “ونحن عرفنا المحبّة التي يُظهرها الله بيننا وآمنّا بها” (۱يوحنا ٤،۱٦). ولكن لا يكفي أن نؤمن بأنّ اللهَ يُحبّ الإنسان فمريم تُعلِّمنا كيف نُجاوب على هذه المحبّة. يجب علينا أن نحبَّ الله. يتهيّأ لنا أحيانًا أنّه كي نحبَّ الله يكفي تكرار الصلوات أو إنّها مسألة عواطف وحسب. كلاّ! محبّة الله تعني العمل بإرادته، هذا يعني أن لا نعمل إرادتنا بل إرادته هو.
وماذا يعني ذلك؟ ذلك يعني ألاّ نخطّط لحياتنا بحسب تفكيرنا البشريّ المحدود فقط، بل نترك أنفسنا بين أيدي الله لكي يتمكَّن من تحقيق مخطّطه على كلّ واحدٍ منّا. وفي أيّامنا هذه، نرى أنّ الكثيرين من البشر يخطّطون لحياتَهم بحيث يستطيعون الوصول إلى مركزٍ إقتصاديٍّ وإجتماعيٍّ كبير، ويعتبرون العمل وسيلةً لتحقيق رفاهيّةٍ أكبر، أمّا أوقات الراحة فتعتبر غالبًا مناسبةً للبحث عن ملذّات الحياة. نلاحظ كم انخفض عدد الأطفال، وذلك لأنّ الكبار يبحثون عن مزيدٍ من الأشياء الماديّة كإمتلاك بيتَيْن وسيّارتَيْن إلخ… إنّهم إذًا يخطّطون وفق برنامجٍ أرضيّ، قد فَقَدَ كلَّ روحٍ مسيحيّة، ليعطِيَ القليل من السعادة الحقيقيّة على هذه الأرض، دون أن يجعلهم يستعدّون إلى الحياة الأبديّة. إنّه برنامجٌ لا يعرف جمالَ العيش كأبناءٍ حقيقيّين لله. إنّ من يعمل بإرادة الله في حياته، يحوِّلُ حياتَه إلى مغارةٍ إلهيّةٍ رائعة. هكذا عاشت مريم وهكذا عاش القديسون، وهكذا نحن إن سرنا حسب مشيئة الله، وسوف نكتشف المفاجآت الرائعة التي تُعِدّها لنا هذه المغامرة.
عندما نعمل إرادة الله سوف يجاوب هو على محبّتنا بمحبّته. وإذا أعطينا محبّتنا بكرمٍ للإخوة فهو يَمْلَؤنا بنِعَمٍ وخيراتٍ غزيرة. وإذا بحثنا عن ملكوته فهو يعطينا كلَّ ما نحتاج إليه بوفرة. وإذا وضعناه في المرتبة الأولى في حياتنا، فهو يُعطينا مئة ضعفٍ ومع المئة ضعف، يعطينا الحياة الأبديّة. لنعمل إذًا إرادة الله، وهذه الإرادة نكتشفها من خلال الإستماع لضميرنا، ومن خلال واجباتنا، ومن خلال وصايا الله ووصايا الكنيسة، ومن خلال الظروف الخارجيّة.
ولكن هناك إرادةٌ واضحةٌ لله نجدها في وصيّة يسوع، والتي تشدّد عليها مريم بطريقةٍ خاصّة، وهي التي تتعلَّق بمحبّة القريب. إنّها مهمّةٌ جدًّا لأنّه في آخر حياتنا سيُحاسِبُنا الله عليها، وسيقول لنا يسوع: “جعتُ فأطْعَمْتُموني، وعطشتُ فسَقَيْتموني، وكنت غريبًا فآوَيْتُموني، وعريانًا فكسَوْتُموني، ومريضًا فزُرْتُموني، وسجينًا فجِئتُم إليَّ”. (متى ٢٥، ٣٥- ٣٦)
يجب أن نعيشَ محبّة القريب هذه مع كلِّ إنسانٍ نقابله خلال اليوم، مُدركين تمامًا أنّنا نفعل ذلك ليسوع. سنقوم بذلك مع أشخاصٍ مقدِّمين لهم الملبس والمأكل والتعزية والنصائح، مع زملاء العمل أو المجتمع الذي يجب أن نحبَّه ونخدُمَه، أو في المدرسة، أو في البرلمان… علينا أن نحبَّ الكلّ، الكلّ بدون أيّ استثناء. علينا أن نحبَّ فعلاً حتّى الأعداء، هذه هي المسيحيّة.

كيارا لوبيك

Spread the love