أنيس عيسى ينتمي للكنيسة القبطيّة الأورثوذكسية وسامي كريتا للكنيسة الكاثوليكيّة وهما من أعزّ الأصدقاء. من ضمن ما يُميّز صداقَتَهُما، سَعْيُهما لتعزيز الحوار بين الكنائس والعَيْش من أجل الوحدة. قال سامي: “تساءلنا يومًا فيما كنّا نتحادَث، كما يفعلُ جميع الأصدقاء، كيف بمقدورنا تحقيق حُلُمِنا والقيام بشيءٍ حسيٍّ في سبيل ما نؤمن به؟
وتجلّت لنا الفكرة واضحة وضوح الشمس، وأضحى الحلمُ أمرًا حقيقيًّا وجِدّيًّا، وأتَت المفاجأةُ مُعجزةً تُحقّقُ آمالنا…تمّ ذلك عام ٢٠١٥ خلال افتتاح معرضٍ فنّيٍ تشكيليٍّ للأيقونات القبطيّة، وكان مناسبةً لدعوة البابا تواضروس الثاني للإحتفال بهذا اليوم التاريخيّ، أي يوم ١٠ مايو، عند اليسوعيّين في الإسكندريّة. رحَّبَ البابا بهذه الدعوة وأتى إلى الكنيسة الصغيرة الكاثوليكيّة الموجودة خارج العاصمة المركزيّة، وكان العيدُ عيدًا أخويًّا بامتياز، لقاءَ صلاةٍ تمَّ خلاله افتتاح المعرض الفنّيّ، هو لقاءٌ غيرُ رسميٍّ وغيرُ لاهوتيّ، لقاءٌ لإخوةٍ وأصدقاءٍ يتلاقون.
لماذا هذا التاريخ؟ إنطلقَ كلُّ شيءٍ يوم ١٠ مايو من عام ٢٠١۳، وقد كان انتخابُ البابا فرنسيس حديثَ العهد،
عام ٢٠١٦ دعا البابا تواضروس الثاني ممثلّي الكنيسة الكاثوليكيّة، للقاءٍ في مركزه البابويّ، مركز لوجوس بديرالأنبا بيشوى بوادي المطرون. هذا النوع من اللقاءات ضمّ عددًا قليلاً من الأشخاص من جميع الدعوات، فحضر أساقفةٌ وكهنةٌ ورهبانٌ وراهباتٌ وعلمانيّون وشباب! أضحت فكرةُ الإستمراريّة تقليدًا نرغبُ بالمحافظة عليه والإحتفال به. زار البابا فرنسيس مصر عام ٢٠١٧ وأراد أن يكونَ موعدُ الزيارة في ١٠ مايو، لكنْ بسبب سفر البابا تواضروس الثاني خارج البلاد تمّ اللقاءُ في شهر أبريل. هذا يُبَيّنُ اهتمامَ البابا فرنسيس بإحياء هذه الذكرى في هذا الموعد بالذات. أمّا في ال ٢٠١٨، ولظروفٍ خاصّة، تقابل البابوان في منطقة باري في إيطاليا ضمن لقاء صلاةٍ من أجل السلام فى الشرق الأوسط”.
أراد سامي وأنيس إحياءَ هذه المناسبة في أوائل مايو من هذا العام، فوجّها الدعوة للبابا تواضروس الثاني والبطريرك ابراهيم اسحق ممثّل الكنيسة الكاثولكيّة في مصر والسفير البابويّ برونو موزارو.
قال سامي: “تمّ اللقاءُ في بيت اليسوعيّين في كينج مريوط، ونشكرُ لهم استضافَتَهم الدائمة لنا، هو بيتٌ للرياضات الروحيّة ويقع على أطراف الإسكندريّة. أردنا أن يكونَ اللقاءُ خارج المدينة، لقاء مودّةٍ وصداقة، حيث الطبيعة بحدائقها ومساحاتها الخضراء ورَوْنَقِها الزاهي احتضنتْ جمعَتَنا هذه. حضر البابا تواضروس الثاني والآباء الأساقفة والآباء الكهنة والآباء الرهبان والأمّهات الراهبات والإخوان والأخوات العلمانيّين، صلّينا بالكنيسة الصغيرة وجلسنا بشكلٍ دائريٍّ ذكَّرَنا بجماعة الرُسُل، بالجماعة المسيحيّة الأولى. قرأنا قراءاتٍ إنجيليّة، رنَّمْنا واسْتَمَعْنا لكلماتٍ تعليميّة، ومن ثمّ زرعنا معًا شجرة زيتونٍ أرَدْناها رمزًا للصداقة والحوار والسلام. ستنمو هذه الشجرة وتذكّرُنا بأنّنا اجتمَعْنا سويّةً وصلَّيْنا معًا، وبأنّنا معًا نبغي إكمالَ هذه المسيرة. إسترجَعْنا بفيديو قصير ذكريات السنين الماضية، ثمّ ألقى السفير البابويّ رسالة البابا فرنسيس لهذه المناسبة وقد جاء فيها: “(…) “ليُوحّدْنا الروح القدس إلي الأبد في رباط المحبّة المسيحيّة، ويُرشدنا في حَجِّنا المُشترَك، في الحقّ والصداقة، نحو تحقيق صلاة المسيح ليكونوا بأجمعهم واحدًا”، وأعِدُكم أنّني سأواصل الصلاة من أجل قداستكم ومن أجل الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة وأودُّ عن طيب خاطر أن أبادلَ قداستكم عناقًا أخويًّا من السلام في المسيح الربّ القائم من الأموات”(…). أمّا البابا تواضروس الثاني فقد ألقى كلمته وتحدّث من خلالها عن أهميّة المحبّة، وأوضحَ أنّ عيدَ القيامة هو تجسيدٌ ليوم المحبّة الحقيقيّة، وممّا قاله أيضًا: “الإنسانُ مواقف، وحين تدورُ كلُّها في دائرة المحبّة، يعرفُ الإنسان أنّه في الطريق السليم. القدّيس العظيم بولس الرسول تغنّى بالمحبّة وجعلها أنشودةً وخصّصَ لها إصحاحًا، هي المحبّة الإلهيّة التي لا تسقطُ أبدًا، أو المحبّة التي نُمارسُها كبشرٍ في حياتنا، أو المحبّة التي نقدّمُها للطبيعة. ختم القدّيس بولس الإصحاح ١۳ بهذه الآية الجميلة “أمّا الآن فيثبُتُ الإيمان والرجاء والمحبّة، هذه الثلاثة ولكنّ أعظمهُنّ المحبّة”. توقّف البابا عند هذه الكلمة “الثلاثة”، وقال “إنّ الأيّام الثلاثة الأهمّ في حياة ربّنا يسوع المسيح في الجسد، والتي جاء من أجلها، هي أيّام الجمعة والسبت والأحد. يوم الجمعة يوم الصليب، وهو يوم الإيمان، ويوم السبت هو يوم القبر، يوم الرجاء، أمّا الأحد، يوم القيامة فهو يوم المحبّة. والقيامة هي رسالةُ محبّةٍ لكلّ الأرض. يجب أن تنفذ إلى أعماقنا وإلى قلوبنا وحياتنا. القيامة حياةٌ وأسلوبُ حياة، وحين تُتَرجمُ هذه القيامة إلى المحبّة، تكون أنجحَ ما قَصَدَتْ، قام المسيح كي يُعلّمَنا المحبّة ويزرعَها فينا، فنشعر بالعبارة التي نكرّرُها دائمًا “ألله محبّة”. هذا اليوم، يوم المحبّة الأخويّة التي نحتفل فيها ونُخصّصُ لها يومًا، ليست يومًا من عداد أيّام السنة، هو يوم نتمنّى أن يمتد في كلّ عداد السنة. (…) القيامة التي تُتَرجم محبّة. المحبّة هي فرحة القلوب، المحبّة هي راحة النفوس، المحبّة هي سلامة العقول”(…). أصلّي من أجل البابا فرنسيس وليُباركْ ربُّنا رحلاته (…). وعبّر البابا عن فرحه بمشاركة الجميع.
إخترنا بعد هذه الأوقات العميقة والقويّة أن ندرسَ موضوعَ البيئة ضمن حلقات حوار، فهذا الموضوع مهمٌّ جدًّا والإنسانيةُ كلُّها مجتمعةٌ حوله. تبادَلْنا وجهات النظر والخبرات وكيفيّة القيام معًا بمبادراتٍ من أجل البيئة حيث المساحات والأرضيّات المشتركة”.
ختم سامي حديثه مُشجّعًا الشباب بجملةٍ ردّدها البابا فرنسيس: “ما يجمعُنا أكثر بكثير ممّا يُفرّقنا”، وأضاف قائلاً: “نحن نرغبُ بتوسيع دائرة هذا اللقاء لتشمَلَ مناطقَ عِدّة في مصر، فتكون اللقاءات على مستوى الكنائس وعلى مستوى الشباب تعمل في هذا الخطّ وعلى هذا المنهاج. رسالتُنا هي تحقيقُ خطواتٍ نحو الوحدة، بدأ كلُّ شيءٍ بفكرةٍ تجمعُنا ورغبةٍ جامحةٍ في قلبَيْنا، فلا نترُكَنَّ أحدٌ يسرقُ منّا هذا الرجاء. إنّي متأكّدٌ أنّ لدى الشباب أحلامًا كثيرةً وأفكارًا سامية، فلنُكْمِلْ ونُثابرْ ونُحقّقْ يدًا بيد أحلامَنا”.
ريما السيقلي