“متعطّشون إلى السلام”
أديانٌ وثقافاتٌ في حوار

بمناسبة الإحتفال باليوم العالميّ للصلاة على نيّة السلام مع القادة الروحيّين والزمنيّين، الذي دعا إليه قداسة البابا فرنسيس في أسّيزي تحت عنوان: “متعطّشون إلى السلام، أديانٌ وثقافاتٌ في حوار” في ۲٠ أيلول ۲٠۱٦، أقيمَ لقاءُ صلاةٍ نظمّته لجنة عدالة وسلام المنبثقة عن مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، برئاسة المطران شكرالله نبيل الحجّ، في مزار سيّدة لبنان في حريصا، وذلك بالتزامن مع الصلاة في أسّيزي. شارك في هذه الأمسية مُمَثّلو جميع العائلات الروحيّة في لبنان، بحضور الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، كما شاركت السلطات المدنيّة والدينيّة كافّة مُمَثِّلةً كلّ الطوائف، وكان لكلّ طائفةٍ مداخلة، من خلال أدعيةٍ وأناشيدَ وتراتيلَ، طلبًا لترسيخ السلام في بلادنا والعالم.

أنقلُ إليكم بعضًا من المداخلات التي بصفائها وصدقها وإيمانها حرّكَتْ قلوبنا جميعًا، وجعلتنا نهتفُ قائلين: “كيف لا نؤمنُ بأنّ السلام آتٍ ما دام المجتمعون مؤمنين وعاملين لإحلال السلام، كيف لا نؤمنُ بأنّ العيشَ معًا هو كقوس قزح، تُدْهِشُنا ألوانُهُ المتنوّعة الجميلة كلّما فاجأنا بإطلالته بعد نزول المطر، وسَحَرَنا كلّما خرج من بين أتلال الجليد وعلى الرغم من عواصف الحياة. قوسُ قزحٍ تنوَّعَتْ ألوانُهُ، لكنّها تناغمَتْ وتناسَقَتْ، فازْدادَ رونقًا وجمالا. هذا هو عيشُنا معًا، فمِمّا نخاف ولِما الذُعرُ والحذر؟ ولكنْ، دعوني أُزوِّدُكُم بما اقْتَنَيْناهُ من إيمانٍ وحُبٍّ ورغبةٍ جامحةٍ بالسير معًا خلف بصمات إلَهِ السلام والرحمة.image-3-web-actualite

“(…) نتمنّى أن يجتمعَ المسلمون والمسيحيّون على المحبّة والثقة المُتبادلة والإحترام وكلّ ما هو مشتركٌ بينهم، وما أكثره. فَلْنَتَعاضَدْ بِجَمْعنا المبارَك ولْنُمْسِكْ بأيدي بعضنا البعض لِنَبْتَهِلَ إلى الله ضارعين إليه كي يَجْمَعَنا على المحبّة والإلفة، ويُطهّرَ قلوبَنا من الأحقاد والتعصّب ويُقرّبَ بيننا، لِنُصْبحَ مُتحابّينَ ومواطنين مُتجاورين متضامنين مُتراضين. أللهُمَّ أَعْطِ لبنانَ وما حوله الأمنَ والأمان، ورسّخ أقدامَ أبنائه على أرضه حتّى يكون لبنانُنا رسالة المحبّة والعيش الواحد إلى كافّة البلاد وجميع العباد، أللهمّ آمين”.

“أنت يا ربّ خلقتَ الإنسان ووضعته في فردوس النعيم، جَعَلَتْهُ يحيا بسلامٍ وهدوءٍ وطمأنينة. ولكنّ الشيطان لم يتركه يَهْنَأ ويتمتّع بسلامك وبخيرات الأرض التي أعطيتها له. فَاجْعَلْهُ ينتصرُ على الشيطان ويبقى قريبًا منك. إجْعَلْنا ننتصرُ على قوى الشرّ التي تحاول أن تسيطرَ على العالم، أَعْطِنا السلام لشعوب الأرض المُضَطهدة بسبب كبرياء الأقوياء وجبروتهم، أعطنا السلام الذي بادَرَ به الملاك مريم عندما قال لها: “ألسلامُ عليك يا ممتلئةً نعمة، الربّ معك”، فالسلامُ الإلهيّ هو ما نحتاجُهُ لِيَمْحُوَ الإضطراب والقلق في نفوسنا (…)”.

“أللهمَّ بحقّ أنبيائِكَ ومُرْسَليكَ وأوليائِكَ وقدّيسيكَ وعارفيك، نسألُكَ أن تُصَفّيَ نوايانا من أجل الناس من حولنا، وتُلْهِمَنا لإدراك معنى العيش الآمن في رحاب أوطاننا، وتُقدّرَنا على العمل من أجل تحقيق السلام في بلادنا والعالم. إجعلنا وسائِلَ أمرك لإحلال السلام، إقبَلْ صلاتنا منفردين ومجتمعين، مسلمين ومسيحيّين، مُوَحّدينَ ومُوَحَّدين، وأَعِنْنا على السير في نهج التلاقي والحوار لنكونَ مداميكَ صالحةً قويّةً في بناء مجتمع الفضيلة والسلام (…)”.

“رُدَّ قلوبنا سويّةً إلى الوطن الواحد بيتًا ودِفئًا وحقوقًا وخيمةً تحتضنُ الجميع سويّةً بأمانٍ واحد. صالِحْنا يا ربّ معًا في حضورك، وبحضورِكَ فَلْنتعانقْ ولْنتعاهَدْ على العيش معًا من جديد، فلا نعودُ نتذرّعُ بشرائِعَ وقوانينَ وكتبٍ نَنْسُبُها إليك، وهي في الواقع شرائِعُنا وقوانينُنا وكتبُنا نحن، وإلاّ لما تناحَرْنا باسْمِها وحَلَّلْنا دماءَ بعضنا بعضًا استنادًا إليها، وكفّرنا بعضنا بعضًا زورًا باسمها. بابُ رحمتك نقرعُ يا ربّ (…) لِنُوَقّعَ وثيقةَ العهدِ المتجدّد معًا بالروح والحقّ، لأنّ العابدين لله بالروح والحقّ يعبدون (…)”.

“تأتي هذه القلوبُ الممتلئة نعمةً ومحبّة لتدعونا إلى الصلاة كي تتوقَّفَ يدُ القتل والدماء التي أخذتْ بمئات الآلاف، ونحن ما زلنا حَبيسِي أهل السياسة. أتضرّع إلى الله من هذا الصرح وهذا المكان الطاهر حتّى يَعُمَّ السلامَ على لبنان وكلّ بلاد المشرق. فَلْنَتَحَسَّسْ بضرورة العمل وليس فقط الدعاء. وهذه الوجوه التي تُمثّلُ كلَّ أطراف المجتمع وكلَّ أطراف الديانات بهذا اللقاء تدعو الله، فَلْيُوَفّقْنا للعمل من أجل إقامة السلام في النفوس والأوطان (…)”.

والختام كان مع ممثّل السفير البابويّ في لبنان، كابريال كاشا، الذي ألقى رسالةً تُرَدّد ما قاله البابا فرنسيس حول السلام. جاء فيها: “(…) لننموَ في الوحدة والسلام، إنّ السلام هبةٌ ولها سبيلُ عيش، لذا فلا بُدَّ لكلّ واحدٍ مِنّا أن يعملَ لأجل تطويره… لا يمكن أن نبنيَ السلام بين ليلةٍ وضحاها، فالسلامُ هبة، نَسْتلمُها ونعملُ عليها بشكلٍ يوميّ، لذا يمكن القول بأنّ السلام أشبهُ بالحِرفة بين يديّ البشر. أن نخطوَ خطوةً كلّ يوم باتّجاه السلام هو العمل الذي يجب أن نضطلعَ به.
إنّ السلامَ هبةٌ حرفيّةٌ علينا العمل عليها كلّ يوم، علينا أن ندخلَ في تفاصيلها الصغيرة، لا بل في تفاصيلها اليوميّة. إنّ الكلام الكثير والتظاهرات الكبرى عن السلاweb-2-actualityم، واللقاءات الكبرى التي تتكلّم عن السلام، إنْ لم تدخل في الأمور الصغيرة، فلا يمكننا أن نتكلّمَ عن السلام ولو بأجمل المُصْطلحات. إنْ لم يدخل السلام في أصغر الأمور، في قلبنا، في عائلتنا، في حَيّنا، في وظيفتنا، لن يَعُمَّ السلامُ في العالم. لِنَصْنَعِ السلام في الأشياء الصغيرة التي نعيشُها كلَّ يومٍ ونحن نفكّرُ بالبشريّة جمعاء، لذا من الجيّد أن ننطلقَ من هذا السؤال: كيف حالُ قلبي اليوم؟ هل هو بسلام؟ إن لم يكنْ بسلام، لا يُمْكِنُ العيش بسلام. كيف حال عائلتي اليوم؟ إن لم تكن بسلام، فَقَبْلَ التحدّث عن السلام، دَعِ السلامَ يَعُمُّ في أسرتِك (…)”.

دعوني أعزّائي من نبضِ هذا النموذج المُتنوّع المُصلّي للسلام والمستدعي إلهَ السلام، أقولُ إنّه ما علينا إلاّ أن نفتح قلبنا ونُصَحّيَ ضمائِرَنا لِنَسْتَقْبلَ ما سمعناهُ بإيمان، ونجاوبَ عليه من خلال حياتنا. فالسلامُ صنعُ أيدينا، ووطنُنا صِنْعُ أيدينا. أعمالُ العنف والحرب والتهجير هي صراخٌ يعلو حتّى أُذُنَيْنا، هي استغاثاتُ رحمةٍ وسلام، فلا نَدَعَنَّ صَمْتَنا وعدمَ اكتراثنا يجاوبُ عليها، بل أعمالَنا التي تزرعُ كلَّ ما هو إيجابيّ! بهذا نحن أقوياء، بمحبّتنا لبعضنا نحن أقوياء، عندها وعندها وحسب، يهلُّ الخيرعلينا بالبشائر وتباركُنا السماء فَنَنْتَصِر، فإلهُ الخير ينتصِرُ دومًا…

إعداد ريما السيقلي

web-articles

Spread the love