مبادرةٌ نحو عائلةٍ بشريّةٍ واحدة

في هذا الوقت الصعب الذي يمرُّ به العالم وبلدنا الحبيبة مصر (بسبب فيروس الكورونا)، تتبنّى مؤسّسة “عالم متّحد” للخدمات الإجتماعيّة المشهّرة برقم ٦٨٢٧ عام ٢٠٠٧، مبادرةً نابعةً من رؤيتها التي تَتَّبعُها منذ نشأتها وهي “تكوينُ عائلةٍ بشريّةٍ واحدة”، من أجل نشر ثقافة الحوار وتحريكِ طاقاتِ الخير الموجودة في كلِّ فرد، لِتَوْجيهِها نحو خدمة المجتمع، بروحٍ تتّسِمُ بالمسؤوليّة والإيجابيّة، وذلك انطلاقًا من إيماننا بالقِيَم الإنسانيّة المشتركة للبشريّة، كالخير والعدالة والكرامة، كحقِّ كلّ إنسان ولا تُفرّقُ بين مَن نخدمُهُ أو مَن يُعاونُنا في الخدمة، فالإنسانيّةُ والوحدةُ هما المحرّكُ الرئيسيّ لكلّ الأنشطة التي نقومُ بها، وهدفُنا الأساسيّ هو عالمٌ أفضل، عالمٌ مُتّحد.
لذلك، ونظرًا للظروف الراهنة التي يُعاني منها السوادُ الأعظم من الشعب نتيجة الظروف الصحيّة وجشع التجار وضيق ذات اليد، بالإضافة إلى خسارة العديد من الناس مصادرَ رزقهم، وكانوا يعتمدون على الدخل اليوميّ، كما أنّه قد تمَّ طردُ العاملين في الكثير من الوظائف الخدماتيّة (كالعاملين في المطاعم – ومندوبي شركات السياحة – السائقين – الطبّاخين – من يخدمون في المنازل …..وغيرها ) ، هناك أيضًا الكثير من العائلات من دون عائل، والكثير من كبار السنّ والأرامل من دون مصدر رزقٍ ثابت، وهم يعتمدون على إعاناتٍ تَوقَّفتْ لعدم استطاعتهم التواصلَ مع المانِحين.
لذلك قرّرت مؤسّسةُ “عالم متّحد” أن تتبنّى فكرةَ التضامن مع الأُسر والعائلات البسيطة التي لن تستطيعَ توفيرَ الإحتياجات الغذائيّة كمخزون، لفترة الحظر الصحيّ التي قد تطول وتَمْتَدّ. ألهدفُ من المبادرة هو دعمُ ألف أسرةٍ من المتضرّرين بسبب جائحة فيروس كورونا المستجّد ومساندتِها، ولقد حَدَّدْنا المناطقَ التي يُقيمُ فيها العددُ الأكبر من الأُسَر الأكثر احتياجًا، بالأضافة إلى أُسَرِ اللاّجئين المقيمين في مصر وقد جاؤوا من بلادٍ مختلفة (السودان – أثيوبيا – أريتريا).
قمنا بتدريب عشرين شخصًا من مُتطوّعي المؤسسة على قواعد الحماية والإجراءات الإحترازيّة مع التأكيد على قِيم العطاء والبذل وتقديم الحُبّ للجميع، وهذه هي أولويّة مُؤسَّستنا ورؤيتها، كما تمّ التدريب على فنّ التواصُلِ مع الأُسَر.
وكم كانت مؤثّرةً ردودُ فِعْلِ المستفيدين:
• تقاسم الكثيرُ من العائلات محتوياتِ حصّتِهم مع الجيران الذين يمرّون بالضيقة ذاتِها، فهم يقولون إنّهم تعلّموا من خلال هذه المحبّة التعاوُنَ مع الآخرين والعنايةَ ببعضِهم البعض، فإنّ البركةَ حاضرةٌ في القليل، والمُهمّ ألّا يكون هناك محتاج.
• فرحَتْ جدًّا إحدى السيّدات بالحصّة التي تلقّتها وطلبت منّا إيجاد عملٍ لها، هي سيّدةٌ تعمل في المنازل بسبب إصابة زوجها بفيروس C واحتياجِهِ إلى العلاج، قد تعرَّضت بدورها منذ فترة إلى حادثٍ في طريق عودتها من العمل وأُصيبَتْ بكسورٍ في جميع أنحاء جسمها، واحتاجت إلى الكثير من العمليّات وما زالت. عندما سألناها إن كانت توّدُ أن نُرسِلَ لها الحصّة أم تستطيع أن تأتيَ شخصيًّا لإستلامها قالت: “نحن ومن هم مثلنا زيِّ الحمام، يجبُ أن نطيرَ بصفةٍ دائمةٍ للبحث عن الطعام”.
• سيّدةٌ أخرى فَقَدَ زوجُها عملَهُ بسبب الأحوال الراهنة وهي تعاني من انزلاقٍ غضروفيٍّ في ظهرها. عندها أربعةُ أطفال، وتعيشُ مع عائلة زوجها في منزلٍ واحد. عددُ أفراد الأسرة كبير، وبسبب سوء التغذية وقِلّةِ الطعام بات أطفالُها يعانون من فقرٍ حادٍّ في الدّم. عند استلامِها حصّتها قالت: “كده نستطيع أن نأكلَ كُشَري فالمكوّنات معظمُها موجودٌ في الشنطة”. وعندما سألناها لماذا الكشري أضافت: “هذه الأكلة بالنسبة إلينا أكلةٌ فاخرة، يدخلُ في محتوياتها الكثيرُ من الأصناف. ونحن في الظروف العاديّة، لا نستطيع أن نوفّرَها لأنفُسِنا”.
• هو يعملُ على عربة سندوتشات ويكسبُ منها رزقَ عائلته اليوميّ، لكنّ عملَهُ تأثّر بالطبع بالوضع الراهن. زوجتُهُ مصابةٌ بحروق تتطلّب علاجًا مستمرًّا لا تستطيع توفيرَه، فمدخول الأسرة بالكاد يكفي للطعام. حين حصلت العائلة على الحصّة المخصّصة لها قالت: “سوف نقسّم محتويات الشنطة على الأيّام القادمة لتكفينا أطول مدّةٍ ممكنة”.
• هي من جنوب البلاد، غيرُ متعلّمة ولكنّها ماهرةٌ جدًّا، تزوّجت وجاءت إلى القاهرة لتعيشَ مع زوجها وأطفالها الأربعة. أمنيتُها في الحياة أن يتعلَّمَ أطفالُها حتّى لا يكونوا مثلها، تردّدُ دائمًا هه العبارة: “أنا مستعدّةٌ ألّا آكُلَ في سبيل أن يتعلَّمَ أطفالي”. زوجُها مُدمنٌ والأطفالُ بالنسبة إليه هم مصدرُ رزقٍ، سواء بالعمل أو التسوُّل، وهي الوسيط بين زوجها والأطفال، لذا كانت تعملُ في المنازل لتُعيلَ أبناءَها. إكتشف زوجُها المكان الذي تُخفي فيه مدخّراتِها وأخذها. راحت تأكلُ لأيّامٍ مع أبنائها الخبزَ المُبلَّلَ بالماء. يَئِستْ من وضعها وقرّرت الإنتحار هي والأولاد، وعندما همَّتْ بإغلاق النافذة وأَخْذِ الأطفال إلى محطّةِ القطار لِتُلقِيَ بنفسها وإيّاهم أمامه، دخل عصفورٌ ملوّنٌ فأخذتهُ وباعتهُ واشترت طعامًا لأبنائها. علَّمتها هذه الحادثة أنّ رحمةَ ربِّنا واسعة، ولا داعي لليأس. كم كانت سعيدةً بالشنطة وقالت على الفور: “لقد وصلت في الوقت المناسب! لن نموت… فربُّنا يتوّلانا”.
وكم من الخبرات الحياتيّة التي تدفعُنا للعطاء بسخاء، مدركينَ أنّ العطاء يُولّدُ العطاء كما هو الخير الذي يدعو لفِعلِ الخير…

م/ سعد إحسان

Spread the love