رأيتها لأوّل مرّةٍ وهي تهبُطُ السُلّم بكلّ هدوء. كنتُ جالسةً مشغولةً بهمومي و مشاكلي، أفسحتُ لها الطريق لِتَمُرَّ فرفعتُ نظري إليها، وإذ بى أرى ملاكًا شوّهتهُ الحياة.
هي طفلةٌ فى التاسعة من عمرها، بالكادِ تمشي، جسدُها كلُّهُ مليءٌ بالقروح، لا توجدُ بقعةٌ واحدةٌ خاليةٌ من الجراح. علمتُ من أصدقائي أنّ اسمَها “مارينا”، وأنّها وُلدَتْ بهذا المرض الذي يجعلُكَ تعيشُ كلَّ حياتك من دونِ الطبقة الأخيرة من الجلد.
في لحظةٍ واحدةٍ نسيتُ جميعَ مشاكلي.
كان يعتصرُ قلبي عندما أراها مسرعةً لتُفرِغَ ما أكلته فى صندوق القمامة لأنّها لا تستطيعُ هضمه. كنتُ ألاحظُ نظرةَ الخوف عند باقي الأطفال الذين كانوا ينظرون إليها وهم في مثل سنّها… وكأنّها هي التي اختارت أن تكونَ بهذا الشكل!
شعرتُ باشمئزازٍ شديدٍ إزاء تهديد الأهالي لأطفالهم بعدم لمس هذه الطفلة، وتذكّرتُكَ يا ربّ وأنت تلمسُ الأبرص. وعند موعد حمّام السباحة الذى ينتظره كلّ الأطفال، رأيتها جالسةً وحيدةً على جنب، وقد منعها أهلُها من النزول. بعد حين إنهارت وخرجت باكية.
وكم كانت صدمتي كبيرةً عندما كنتُ أسير مع طفلةٍ من عمرها، رأتها للمرّة الأولى وصرخت “وحش”!
حينها يا ربّ تساءلتُ لماذا على طفلةٍ أن تعانيَ بهذا الشكل طوال حياتها؟ أتراك خلقتها لكي تُعذّبَها؟ لقد رأيتُ ما يكفي ممّا حدث لها خلال أربعة أيّام. هل هذا ما سيحصلُ معها كلّ يوم، وهل هذا هو مصيرُها؟
وكأنّك كنتَ تسمعُني يا إلهي، فقد أتتِ الإجابةُ في آخر يومٍ رأيتها فيه، عندما قامت مارينا وبشجاعةٍ في وقت المشاركة ووسط كلّ الأولاد وأبهرتني بجملةٍ واحدة: “أنا إسمي مارينا، وكنت جدُّ مريضة، لكنّني طلبت من الربّ أن يشفيَني، وها أنا اليوم قد تحسّنتُ كثيرًا”.”
فهمتُ حينها هذا القول: “إن لم تعودوا كالأطفال، لن تدخلوا ملكوت السماوات”.
ماريز ناجي