إنّ التطرّقَ إلى موضوع المخدّرات والوقاية منها، أصبح معروفًا لدى الجميع، نظرًا إلى وفرة الدراسات المنشورة في أكثر من صحيفةٍ ومجلّة. إلاّ أنّ الجديدَ في هذه الدراسة مقاربتها المختلفة للموضوع، عبر  توعية الأهل على الأُسُسِ التربويّة السليمة التي تُحصّن أولادهم  لتفادي هذه الآفة، وذلك من خلال تطوير قدرات الأبناء على مواجهة الصعوبات والقضاء على المسبّبات الإجتماعيّة والنفسيّة التي غالبًا ما يكون سَبَبُها العائلة.

إلتَقَيْنا الآنسة لينا خوري المرشدة الإجتماعيّة والمدرّب الشخصيّ، وهي صاحبة خبرةٍ طويلةٍ في معالجة المُدْمِنين على المخدّرات.

مَن هو المدرّب الشخصيّ وما هو عمله؟

إنّ المدرّبَ الشخصيّ يعملُ على تطوير قُدُراتِ الأشخاص، عن طريق مساعدتهم على اكتشاف أَنْفُسِهِم والتخلّص من عاداتٍ سيّئةٍ وهَدَّامةٍ في حياتهم. إنّ التدريبَ الشخصيَّ يختلفُ عن المعالجة النفسيّة بأنّه يتعامل مع أشخاصٍ أصحّاءٍ لا يُعانون من أيّ مشكلةٍ نفسيّةٍ إلاّ أنّهم يَهْدُفون إلى تطوير قدراتهم.

برأيكِ ما هي أهمّ الأُسُس التربويّة التي يقتضي التركيز عليها من قبل الوالدَيْن لبناءِ شخصيّة أولادهما على أُسُسٍ سليمة؟

من المهمّ التواصل مع الولد بطريقةٍ سليمةٍ لبناء حوارٍ يُساهِمُ في حمايته ودَعْمِهِ مَعْنَويًّا. ولكن، وقبل الدخول في مسألة الحوار الثنائيّ بين الأهل والولد، يقتضي التركيز على مسألة الحوار والتفاعل بين أفراد الأسرة الواحدة عن طريق النقاشات بمواضيعَ مختلفةٍ تتعلّقُ بحياة العائلة وشؤونها، على أن يَتِمَّ من خلال هذه الحوارات وَضْعَ أهدافٍ ومقوّماتٍ من جهة، وإيجاد حلولٍ لِعَقباتٍ من جهةٍ أخرى، وذلك عبرَ تبادُلٍ الأفكار والآراء الجماعيّة، ممّا يُؤدّي إلى خَلْقِ جوٍّ من الإلفة والتواصل ضمن العائلة كَكُلّ.

المفتاحُ الأساسيّ للتواصُل مع أبنائنا هو استعمال لغة الحوار بين أفراد الأسرة، إنّ افْتِقار الأسرة إلى هذه اللغة يسبّبُ نشوبَ خِلافاتٍ ومشاكل بين أفرادها قد تؤدّي إلى التفكّك الأُسَريّ وعَيْشِ كلِّ فردٍ من أفرادها  في عالمه الخاصّ.

ما هي أُسُس هذا الحوار؟

  • الإحترام: الإحترام المتبادل بينأفرادالعائلة هو حجرُ الأساس في بناء جسور الحوار في ما بينهم. إلا أنّه يُلاحَظ، بخاصّةٍ في العائلات الشرقيّة، أنّ الوالدَيْن لا يهتمّان بإبداء الاحترام تجاه الأبناء. هذا موقفٌ أساسيٌّ ومُهِمّ، فعلى هذين الأخيرَيْن، قَبْلَ أن يَطْلُبا من الأبناء احترامَهُما، أن يُبادِرا بذلك. ويدخل ضمن هذا الإطار عدم الإساءة النفسيّة أو توجيه الإهانات، أو العقوبات القاسية والمهينة، أو مقارنته بإخوته أو بأولادٍ آخرين. اذا استطاعت الأسرة أن تُأصِّلَ فضيلة الاحترام في تعاطيها اليوميّ بين أفرادها، سوف تفتح بالتأكيد، نافذةً على الحوار البنّاء. كما أنّ الاحترام وإعطاء قيمةٍ لما يقوله الآخر يساعد على التفاعل السليم بين أفراد الأسرة وخَلْقِ جوٍّ من الثقة والمحبّة المُتَبادَلَتَيْن.
  • الصدق: من أهمّ أسرار ثقافةالحوارالتي يجب أن تتعلَّمَها العائلة هي فضيلة الصدق، التي تشكّل الضمان الوحيد لبناء جسور الحوار بين أفراد العائلة. يجبُ أن يلمسَ الأبناء عند الأب والأمّ عَيْشَ الصدق في حياتهما اليوميّة ومظاهرها كافّةً. وأكبرُ خطأٍ يقعُ فيه الأهل في تَرْبِيَتِهم هو الكَذِب على أبنائهم، حتّى في الأمور البسيطة، ممّا يجعلُ هؤلاء يكذبون بدورهم. إنّ الصدقَ يخلقُ جوًّا من الثقة المتبادلة ويُسهّل عمليّة الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة.
  • الهدوء: سرعان ما يتحوّل الحوار الخالي من الهدوء إلى خلاف، لذلك يجب أن يعمل جميع أفراد الأسرة على خلق جوٍّ من الهدوء داخل العائلة، تَتُمُّ تحت مظلَّتِهِ المواجهات والمناقشات البنّاءة.
  • الإصغاء: مفهوم الحواريعني أن يُصغيَ كلُّ طَرَفٍ إلى الآخر بهدوءٍ ومن دون مقاطعةٍ أو أحكامٍ مُسْبَقة، ثمّ يتبادلون الحديث. هذا ما يجبُ أن يتعلَّمَهُ أفراد العائلة. على الأب والأمّ أن يَسْتَمِعا جيّدًا إلى الأبناء ويضعا نَفْسَهُما في مكانهم لِفَهْمِ فكرتهم بوضوح، وعدم الاستهزاء بكلامهم، فالاستماعُ الجيّد والإنصات هو السرّ في نجاح الحوار، وهو الحلّ السحريّ لبناء ور حوارٍ قويّةٍ بين أفراد الأسرة.

 تبر ثقافة الحوار من أهمّ القِيَم التي يجب ألاّ تخلو منها عائلةٌ أو أسرة، وعليها، ومن خلال الوالدَيْن، أن تحافظَ دائمًا على مَدّ الجسور  بين أفرادها حتّى تَسودَها الإلْفَةُ وحِسُّ الإنتماء. وأخيرًا على الأسرة أن تسعى إلى الحوار مع العائلة الكبيرة، وأشخاصٍ آخرين، إذ أنّ الآخَرَ المختلف يساعِدُنا على اكتشاف أَنْفُسِنا. مساحةُ الحوار هذه هديّةٌ يُقدّمُها الأهل إلى أولادهما لتطوير أَنْفُسِهِم وقُدُراتِهِم ومَهاراتِهِم في الحياة.

ما هي الأخطاء الشائعة في تربية الأولاد؟

الحماية الزائدة: يقعُ الأمّ والأب في خطر القلق الزائد على وَلَدِهِما من كلّ وأيّ شيءٍ يحيطُ به ويتعرَّض له، ممّا يجعلُ الطفلَ يعتمدُ عليهما في كلّ الأمور لأنّهما يقومان بكلّ شيءٍ بالنيابة عنهم.

التسلّط: معظم الأمّهات والآباء يفرضون على أولادهم كلَّ شيء، بِحِجَّةِ أنّهم مازالوا أطفالاً ولا يعرفون شيئًا. كلُّ هذا يُضْعِفُ شخصيّةَ الولد ويجعله يشعُرُ بِعَدَمِ قيمته وينعكسُ هذا سَلْبًا على ثِقَتِهِ بنفسه.

التمييز بين الأبناء: الكثيرُ من الأُسَر تُعامِلُ الذكورَ غير الإناث، كما أنّهم يُعاملون الطفل الأكبر على أنّه راشِدٌ والطفل الصغير من حقِّهِ وحده أن يتدلَّل.

إثارة الألم النفسيّ عند الطفل: العقابُ المستمرّ للطفل، والتقليلُ من أهمّيَّته، وعدم شعوره بقيمته في الأسرة، واقعٌ ينعكسُ ألمًا نفسيًّا عند الطفل، بالإضافة إلى توجيه الكلام الجارح له أمام الأقارب والأصدقاء.

التناقض: التناقض من الأمور الهامّة جدًّا. قد يطلبُ الأبُ من ابنه عدم الكذب وفي الوقت عينه وعندما يرنُّ جَرَسُ الهاتف يقولُ لطفله قُلْ لِمَنْ يُريدني إنّني لستُ في المنزل.

الإهمال: على عكس ما ذكرناه من الإهتمام الزائد بالطفل والقيام عنه بكلّ ما يتعلّقُ به، قد يُهْمِلُ الأهلُ طِفْلَهُما ويُهملونَ جوانِبَ مُهمَّةً من شخصيَّتِهِ وتَرْبِيَتِه.

الإهمال في معاملة الطفل: قد تتخلّصُ بعضُ الأمهّات من إزعاج طفلهنَّ بأنْ يَتْرُكْنَهُ يفعلُ ما يريد، أو أن تعاقبَ الأمُّ طفلها على موقفٍ معيّنٍ أمام الضيوف، من دون أن تعاقِبَهُ على الموقف ذاته في عدم وجودهم.

التدليل: الكثير من الأُسَر تجعلُ كلَّ مطالب الطفل مُجابَة، بخاصّةٍ إذا كان الطفلُ الأصغر أو الوحيد. فاسْتِجابَتُك لكلّ طَلَباتِهِ بدافع الحبّ وعدم الحرمان يجعله اتكاليًّا.

عندما نقعُ بِمِثْلِ هذه الحالات أو غيرِها، يجبُ ألاّ نخاف لأنّه بإمكاننا دائمًا أن نغيّرَ السلوكَ مع أولادنا وأن نُحِبَّهُم بطريقةٍ مسؤولةٍ أكثر.

ما المقصود بعبارة الحبّ المسؤول ؟

توضيحًا لمفهوم الحبّ المسؤول وكيفيّة تغيير السلوك لدى أولادنا أقول باختصار: نتوقَّعُ من الطفل أن يكونَ دائم الإستقامة وتصرفّاته عقلانيّة، في النهاية هنالك شقاوةُ الأطفال وبراءتهم الممزوجة بطبيعتهم، فَعَلى الأبَوَيْن أن يُنْصِتا إلى حديث طفلهما ولا يُقاطِعانِه، ولا بدَّ أن يشعرَ الطفلُ باهتمامهما له ولما يقوله. كما لا بُدَّ من الإحتفال بنجاح الطفل حتّى لو كان هذا النجاحُ بسيطًا.

لكلّ طفلٍ دُمْيَةٌ مُفضَّلة، لذا من الجميل أن يشعرَ باهتمام أَبَوَيْه بها والسؤال عنها وعدم التقليل من شأنها. لا بُدَّ من تقبُّل الطفل كما هو، وتجنُّب مقارنته بِغَيْرِه، فهذا من شأنه أن يُضْعِفَ ثِقَتَهُ بقدراته.

إعداد جان نمّور

portrait-web-6

Spread the love