لبنانيّون ولنا الحقّ بالحفاظ على أمن وسيادة وطننا، وأن يكونَ دفاعُنا عن أمنه مُسالمًا وحضاريًّا.
لبنانيّون وتاريخُنا عزٌّ ومجدٌ وإباءُ وانفتاحٌ وحوارٌ وتواصُل.
لبنانيّون وننتمي لثماني عشرة طائفة، وهو واقعٌ تنشّأنا عليه منذ نعومة أظافرنا فأضحى سَيْلَ دماءٍ في عروقنا. فئةُ دمنا واحدة، تتدفّقُ حياةً من جذور أرزنا، لذا صار تنوّعُنا نقشًا في ضمائرنا. عَشقْنا تمايُزَنا حتّى وإن سبق وأخطأنا في حقّ ذاتنا، وجلَّ من لا يخطىء! لكنّ وطنيَّتَنا أشمل وأسمى وأرقى من كلّ زلّاتنا، وروحُها تُزكي نفوسَنا. ومن هو الذي يدّعي أو له الحقّ بالمسّ بثوابتنا الوطنيّة هذه؟ فلبنان لا يمكن أن تختزلَهُ فئةٌ معيّنة وليس حِكرًا على فئةٍ من الفئات، إنّما هو مهدٌ للأسرة اللبنانيّة كلّها.
عندما وصف فنّانُ لبنان وديع الصافي هذا البلد الأخّاذ ب “لبنان يا قطعة سما” و”لوحات ألله راسما” لا بُدَّ أنّه تغنّى طربًا بجمال لبنان الطبيعيّ وجمال تنوّع أبنائه. فحين تلامس الجمالان، ذاب الأوّل برونق الثاني، وما استطاع وديع إلاّ أن يضيف “عالطامعين مْحرِّما وللخاشعين مْحَلّلا”…
ألا تفهمون أنّنا أهلُ حوارٍ مهما احْتدَمَت النقاشاتُ بيننا؟
ألا تفهمون أنّنا نؤمنُ بأنّ السلامَ أقوى من التفرقة والبغض وأقوى من الموت؟
تُشيرونَ بأصابعكم إلينا وتُعيّروننا بحقبةٍ من ماضينا وَلّتْ، وتُصوّبون سهامكم إلى الطائفيّة في بلدنا، ألا تنتمون لعائلاتٍ أنتم أيضًا، أم أنّكم جِئْتُم من اللاّ شيء؟ فأبناءُ العائلة الواحدة يتخاصمون ثمّ يعودون ليتحابّوا. إسألوا الآباءَ والأمّهات، ففي كنفهم تنمو العائلة وتُحافظ على حميميّتها وخصائصها، وتحمي نفسها من تدخّلاتٍ خارجيّة تعبثُ في شؤونها الخاصّة، لأن وبكلّ بساطة سوف تُهدَّدُ في كيانها.
دعونا وشأننا! إنْ كنتم أصحابَ ضمائرَ حيّة، إمنعوا حماقة الحروب وأوقفوا تجّار الأسلحة، فَلْيُلَمْلِموا أشلاءَ طغيانهم، ويُسكتوا غريزة الربح المجنون والمجد الباطل. كفاهم بثّ سموم الحقد وارتكاب آثامٍ إنسانيّةٍ واجتماعيّةٍ وبيئيّة. كفى بالله عليكم تحريضًا على الطائفيّة والمذهبيّة بين أبناء الوطن الواحد.
نعترفُ أنّنا ننزلقُ في مطبّات منازعاتنا الداخليّة، ولكنّي أدعوكم لتسلّق قمّةٍ شامخةٍ في سماء لبنان لتشاهدوا ما يجري من فوق: سوف تتأمّلون وتتعجّبون وتُصلّون، لأنّكم سوف ترونَ شعبًا يتذمّرُ ويستاء، يُناقشُ إلى حَدّ المُجادلة في أبسط الأمور، ينفجرُ في لحظة، ولكنّه في اللحظة التالية يبتسمُ مُجدّدًا ويُصافح ويَستقبل وينسى…
دعونا إذًا نتنفّس هواءَ سلام وطننا، فالسلامُ ضرورةٌ كيانيّة حتّى نعيش، ونحن عشّاق الحياة. فقِيَمُ الحياة تلتقي في أفياء السلام وسلاحُنا نريده سلاحَ عدلٍ ورحمةٍ وإصلاح.
نحن شعبٌ يُؤمن بأنّ القلوبَ البيضاء لا يُكتبُ عليها بِحِبْرِ الدماء، وأنّ النفوسَ الصافية لا يُعكَّرُ انسيابُ سلامها، وأنّ المحبّةَ لا تُفرَضُ عليها عتمةُ التناحُر. سياسَتُنا لا تريد أن تكونَ عنيفة، فلا تستدرجونا في دوّامة الحرب اللئيمة.
لنا مذاقُ الملح وتركيبتُهُ البلّوريّة في حالته الصلبة. إذا فَصَلنا هذه التركيبة بتيّارٍ كهربائيّ، إنبعثت غازاتُ الكلور السامّة، وانفصل الصوديوم فأحرقَ من يلمسه وأحدثَ انفجارًا إن أنتَ رَمَيْتَهُ في الماء. وهذا المثلُ يُفْهمُنا ويُفهمُ الجميع كيف هي تركيبتُنا اللبنانيّة، لأنّ العناية الإلهيّة شاءت أن نكونَ على هذا النحو، في اتّحادنا صلابةٌ وقوّة، وفي انفصالنا فناء.
قال الدلاي لاما مرّةً في حديثٍ له: “نحن لا نتذكّر الحقائق البشريّة الأساسيّة وهي أنّنا كلّنا واحد… وأهلُ هذه الرسالة هم الجنسُ البشريّ. أمّا تجاهل هذه الحقيقة فهو السبب الوحيد للكره والبغضاء وسبب الحروب. كيف لنا إذًا أن نتذكّرَ هذه الحقيقة؟ علينا أن نحبَّ في هذه اللحظة ودومًا”.
نعم، إنّ الأديان تتحدّثُ كلّها عن السلام وتناشدُ به، فلا نَرْتديَنّ معطف التذرّع بالدين لنفرّقَ بين الناس ونحفّزَ النعرات ونختلقَ الحروب.
يقول البابا بندكتس السادس عشر: “نحن بحاجةٍ إلى مداخلاتٍ سياسيّةٍ ملائمة، ولكن قبلاً إلى تجديدٍ روحيٍّ عميق. ففي السياسة لسنا بحاجةٍ فقط إلى زعماء وقادة حقيقيّين ولكن أيضًا إلى قدّيسين. فهُم من يؤسّسون مشاريعَ تصبو لتعزيز الكرامة الإنسانيّة والخير العام، وذلك بالبحث عن وسائل تجعلُنا ننمو كأفرادٍ وكمواطنين، كشعبٍ واحدٍ وكعائلةٍ بشريّة”.
وهذا بكلّ بساطةٍ ما نريد! نسعى إليه متّكلين على مخطّط الله علينا، وعلى إيماننا بوطننا وبطاقة شبابنا المثقّف…
ريما السيقلي