“الآرش جمعيّةٌ عالميّةٌ تستقبل ذوي الإعاقة الذهنيّة وتعمل على تنمية مواهبهم كي يكتسبوا مكانهم في المجتمع. هذا ما يخبرنا به شاكر الناشط في الآرش في مصر: “نريدهم أن يشعروا بإنسانيّتهم، لا غير. في الواقع نكتشف كلّ يومٍ أنّهم هم الذين يساعدوننا على استعادة إنسانيّتنا! نعم، لأنّهم يملكون العديد من القدرات، يقدّمونها بشكلٍ طبيعيّ، ويعبّرون عن مشاعرهم بصدقٍ وعفويّةٍ تامّة. إنّهم “واضحون” وأكثر تسامحًا منّا. باختصار، إنّ وجودهم بحدّ ذاته قيمةٌ مضافةٌ لحياتنا”.
نحن في الآرش نقدّم لهم الصحبة والمرافقة، لكنّ هم أيضًا يقدّمون لنا الرفقة. هكذا نبني علاقاتٍ تبادليّة، علاقات أخذٍ وعطاء.
فكرةُ الآرش هي أنّ ذوي الإعاقة لا يحتاجون فقط “لملجأ” حيث يساعدهم ممرّضون وممرّضاتٍ في الأكل والإستحمام، بل هم بحاجةٍ “لعائلة”، لأشخاصٍ يتحدّثون معهم، يسألون عنهم. مشروع الآرش بيتٌ تعيش فيه “عائلة” من ٤ أو ٥ أشخاص ذوي إعاقة ومرافقينهم. مع مرور الوقت أُنشِئَت مشاغل يعملون فيها. لدينا هنا في “المنيا” في مصر مثلًا، معملٌ للشموع نصنّع فيه ٨٠ شكلًا من الشموع وهناك فندقٌ يعتمد الإنارة بالشموع لا غير، فيَطلبُ منّا كمّيّاتٍ كبيرة من هذه الشموع. ومن جديدنا ورشة فنون تعمل بشكلٍ خاصٍّ في فترات الأعياد .
تلاحظون على أبوابنا رسمًا لثلاثة أشخاص، إثنين منهم صغار الحجم يتوسّطهم شخصٌ أكبر. إنّه الرسم العالميّ للآرش حيث يسوع هو الشخص الأكبر الذي يتوسّط العلاقة بين الإثنين ويرعاهم. أمّا بالنسبة للشخصين الآخرَيْن فأحدهما ذو إعاقة، والآخر غير معاق، لكنّهما متساويان بالحجم، ما يدلّ على أنّهما في علاقة مساواةٍ وتبادل.أمّا عمّا أتى بي وزوجتي مريم إلى هنا فقصّةٌ فنرويها لكم معًا:
مريم: “مثل جميع الشباب في سنّ المراهقة، قصّة حبّ جمعتنا ولكنّنا عدنا وانفصلنا لأنّني كنتُ أبحث عن دعوتي: ماذا يريد الله منيّ؟ الزواج، الترهّب …؟ وهذا ما فعله شاكر أيضًا، إلى أن فهمنا أنّنا نريد أن نكون معًا كعائلةٍ مرسَلَة. وهكذا، أعلنّا خطوبتنا وسافرنا إلى “كينيا” للإرساليّة. بعدها تزوّجنا وذهبنا إلى “الأُقصر”. ظننّا أنّ الحياة هناك ستكون خاليةً من المشاكل، وأنّنا سنتمكّن من رؤية يسوع كلّ يوم. ولكنّ المشاكل كانت كثيرة، ومن كلّ محنةٍ كنّا نتعلّم شيئَا جديدًا. وفي هذه المرحلة كنتُ أتذكّر قول الفيلسوف الإيطاليّ:”الإنسان الذي لديه خبرةٌ ليس الذي يعيش تجاربَ كثيرة، ولكنّه الذي يتأمّل في التجارب التي خاضها ويفكّر فيها”.
شاكر: “بالنسبة لي أنا، الدعوة ليست قائمة فقط على معرفتنا برسالتنا ولكن في اختياري لمريم لكي تكون شريكتي في هذا النوع من الحياة. ثمّ بسبب حاجةٍ في”المنيا”، قرّرنا أن تكون إرساليّتنا هناك. تركنا كلّ شيء خلفنا، من مالٍ ومنزل، ومستقبلٍ واعد، للعيش هنا في الآرش. لم أكن أتخيّل أنّ الله سيرتّب أمرًا بهذا العمق والفرح! لم أكن أتخيّل أنّه بإمكاني العمل مع شبابٍ ذوي إحتياجاتٍ خاصّة، فكانت النقلة ذات نوعيّةٍ كبيرة. في البداية، كنتُ مستاءً من إحتماليّة أنّ هؤلاء الأشخاص لن يتذكّروني أو يتذكّروا ما قمت به لأجلهم، إلى أن فهمت أنّ العطاء يجب أن يتحلّى بالمجّانيّة. إرتبطنا “بالآرش” بقوّة. مرّ عامان مليئان بالصعوبات بسبب جائحة الوباء. ولكن “كلمات الحياة”، كلمات الإنجيل، كانت تقوّينا في مسيرتنا.
كزوجٍ وأب، كنت مضطربًا وخائفًا على أسرتي بسبب التحدّيات الماديّة، وكنتُ أشعر بأنّي أعرّضهم للظلم بسبب نوع الحياة التي نعيشها كمرسلين، ولكن الله كان دائمًا يشعِرُني بالطمأنينة ويعيد إلى قلبي السلام الداخليّ. ومع الجماعة اليوم ومع عائلتي الصغيرة، أختبر أنّ الفرح يفيض في العطاء، وأنّ العناية الإلهيّة ترافق بإخلاصٍ من ترك كلّ شيءٍ ليهتمّ بأخيه المحتاج”.
المدينة الجديدة