كلّ شيءٍ مُتعب
ممّا نعاني ونشكو؟ من التعب، تَعَبٌ كي نعيشَ حياةً تُرضينا، تعبٌ كي نحقّقَ ذاتنا، تعبُ كي نفرح.
ربّما لا ندرك أنّ التعب هو في أن “ننتمي”، أي أن نعيشَ مع الآخر. فنحن لا نُحقّقُ ذاتنا ضدَّ الآخر ولا من دون الآخر، ولا يمكن أبدًا أن نكون سعداء أبدًا لِوَحْدِنا. أمّا مجتمع اليوم فيرتكز، على الفرديّة والتملّك وقواعد المنافسة الإقتصاديّة التي تبدّد، أكثر منه بكثير على قواعد الحياة التبادليّة التي تجمع.لا يمكن للإقتصاد أن يتطوّر إلاّ إذا كان يحترم كرامة الإنسان. إنّ الإقتصاد يُنتج الخيرات وإن سار وفقًا لمبادئ الكفاءة والعدالة والمعاملة بالمِثل، ومنبعًا للخير، يصبحُ مسارًا من مسارات تحقيق الأخوّة.
كلّنا إقتصاديّون في منازلنا وأعمالنا ونشاطاتنا. كنّا مع بعض الشابّات والشبّان نحضّر وجبات طعامٍ نوزّعها لمن هم دون مأوى وفي عزلةٍ تامّة. تحرّكنا عند منتصف الليل حتّى يكونوا قد لجأوا إلى مأواهم، إن تحت بطّانيّةٍ فوق الرصيف أو على مقعدٍ في موقف الباص… ما اختبرناه يتخطّى أيّ كلام، فتلك “الإبتسامة” التي اسْتُقبلْنا بها كانت توازي إشراقة الشمس في قلوبنا، وكلمة “شكرًا” التي رُدِّدَت على مسامعنا فكانت تُدخل الدفء إلى نفوسِنا. كان هذا كلّ ما يملكون، لكنّهم قدّموه بسخاء. كلّهم امتنانٌ لِلَفتة اهتمام… لكنّنا في الحقيقة كنّا نحن الممتنّين إذ إنّنا عرفنا جوهر السعادة، فالتعاونُ واختبارُ العطاء يُطوّرُنا ويجعلنا نحقّقُ ذواتِنا.إذا كنّا نريد السلام حقًّا من حولنا، فعلينا أن نعمل من خلال الإقتصاد والأعمال لنشر ثقافة مبدأ الأخوّة وممارسته في كلّ مكان. وما أحْوَجَنا إلى عَيْشِ تبادليّة العطاء، فالعلاجُ الحقيقيّ هو القدرة على العطاء. سعادتنا تكمن هنا؛ تكمن في العلاقات مع الآخرين، لا في الخيرات التي نَمْلكُها!

ريما السيقلي

Spread the love