“نعم”، نسمعُها في كلّ عرسٍ كجوابٍ على سؤال الكاهن: “هل تقبل”، فيُنشَرُ جوٌّ من الفرح يصلُ إلى الزَغْرَدَة والتصفيق، وبناءً على هذا “النعم” المتبادل بين العروسَيْن يُعْلِنُهُما الكاهنُ زوجًا وزوجة.
ولكنّ المشكلة التي تُطْرَح اليوم أنّ العروسَيْن لا يسمعان السؤال ولا يَتَبَنَّيانه: “هل تقبلُ بالآخَر زوجًا لكَ في السرّاء والضرّاء، في الغنى والفقر، في الصحّة والمرض؟”، بل يَكْتَفِيان بِ “هل تقبل”؟، ويُجيبان “بالنعم”. ولكن، عندما تَحينُ ساعةُ الحقيقة وتُواجِهُهُما صعوباتُ الحياة يكتشفان أنّهما على غير استعداد لِتَحَمُّل “الضرّاء”، لأنّهما اكْتَفَيَا باخْتِيارِ”السرّاء”. تقتصرُ أحلامُهُما على عيش “الرفاهيّة” دون استعدادٍ لتحمُّلِ المشاكل المادّيّة، وبالتالي مَرَضِ الشريكِ وعَجْزِه لأنّهما اختارا إنسانًا قويًّا وقادرًا.
فتبدأ الأزماتُ وتصلُ إلى حدّ افتراق العروسَيْن مع أنّهما تَعَهَّدا أنْ لا يُفرّقُهُما إلاّ الموت. وتتأزّم الأمور أكثر عندما يتدخّل الأهل بقوّةٍ في حياة الثُنائي، كلٌّ يقفُ حصَّةَ وَلَدِهِ فتنقسِمُ العائلتَيْن إلى معسكرين تدورُ بينهما حربٌ باردةٌ تتحوّلُ مع الوقت إلى مُعْلَنَة. وينسى العريسُ أنّ عليه أن “يتركَ أباه وأمَّهُ ويلزَمَ امرأته”، وتنسى العروس أنّه عليها أن تنسى شَعْبَها وبيتَ أبيها لِيَشْتَهِيَ المَلِكُ جمالَها”.
أعزّائي، نحن في عصر العلم والمعرفة، نهبُ حياتنا لتعليم أولادنا وضمان مستقبلهم، ولكنّنا نتجاهلُ الأهمّ في مسيرة حياتهم. فلنُحَضِّرْ أطفالنا منذ الصغر للزواج. علينا أوّلًا أن نكونَ لهم مثالاً وقدوةً في التضحية والعطاء والحبّ. وثانيًا علينا أن نُدْخِلَ في مناهجنا التعليميّة وبخاصّةٍ في دروس التعليم المسيحيّ شرحًا وافيًا لِسِرِّ الزواج ومفهوم العلاقة المُقدَّسَة وبُعْدِها الإنسانيّ السماويّ. هكذا يتبنّى الطالبُ فكرةَ دَيْمومَةِ الزواج المسيحيّ “لا يفرّقُهُما إلاّ الموت”، ولا تعودُ نغمةُ “مش عاجْبُو يْفِلّ” تتردّدُ عند كلّ صعوبة، بل يبذلُ الفردُ جهدًا مُسْتَميتًا لإحلال السلام. علينا أن نزرعَ فيهما مفهومَ أحادِيَّة العلاقة والإخلاص لشريكِ واحدٍ فيدخل الصفاء إلى العلاقة وتنطفىءُ نارُ الغَيْرَةِ والشكّ. كما علينا أن نزرعَ فيهم مجّانيّة الحُبّ لدرجة بذل الذات، وهنا دورُ العائلة والمدرسة معًا. فلا يكونُ حُبُّهُما أنانيًّا مُتَمَلِّكًا ، بل يهدفُ إلى إسعاد الشريك ومُسانَدَتَهَ في “السرّاء والضرّاء”.
وقد انتبهت الكنيسة لضرورة التحضير للزواج فَأَلْزَمَتِ الثنائيّ بحضور محاضراتٍ تَثْقِيفِيّةٍ حول الزواج على المستوى الجسديّ والإجتماعيّ والروحيّ، إلاّ أنّ ذلك ليس كافيًا لأنّها دوراتٌ قليلة، لذا يجبُ تَكْثيفها، وأن يَنْبَثِقَ عنها مجموعاتٌ تتكوّنُ من أناسٍ متخصّصين ومحضّرين لهذه الأمور تُتابعُ الزوجَيْن بعد الزواج.
هكذا وفي خضمّ هذا التعاون ما بين التحضير المُبْكِر من على مقاعد الدراسة والمتابعة في التحضير للزواج والمرافقة في ما بعد، يمُكِنُ أن نزرعَ رغم كلّ الصعوبات بُذورًا تُؤسِّسُ لإنشاءِ عِيَلٍ مُلتزمَةٍ مُتضامِنَةٍ قانونُها المحبّة والتضحية.
بقلم ليلى نصّار