قوّةُ الحياة
سقطت زهرةٌ تحملُ بذرةً عن أمّها الشجرة، مودّعةً أخواتِها الأزهار بحزنٍ وأسى شديدَيْن. بصعوبةٍ تخلّت عن أحضانٍ آمنةٍ لتَتَمايلَ باستسلامٍ مع النسائم. اسْتَهْزَأت بها أزهارُ الشُجَيْراتِ القريبة، واتّهمَتْها بالضعفِ وعدمِ القدرة على مواجهةِ المخاطر، وبالتالي اسْتِحْقاقِها للموت. هَوَتْ تلكَ الزهرةُ بصمتٍ عميق، لامستِ الترابَ وتلحَّفَتْ به مُسْتَسْلِمةً لِقَدَرِها المُحَتَّم.
معَ اقترابِ فصلِ الصيف تحوّلتِ الأزهارُ إلى ثمارٍ تجذبُ عيونَ المارّة. واختلفَ مصيرُ كلّ ثمرة، فمِنْها من بيع في الأسواقِ، وبعضها قُدِّمَ كهديّة. أمّا ما تبقّى فقد كان من نصيبِ عصافير الحقولِ.
تعاقبَتِ الأيّامُ وتلكَ الزهرة لم تبرح مكانَها تحت التراب. سكنتِ الحقولُ زقزقاتُ العصافيرِ مع تساقطِ أوّل قطرة مياهٍ تكرّمت بها السماء على الأرض. وما هي سوى بضعُ أيّامٍ حتّى استيقظتِ الزهرةُ من سباتِها، وإذا بها نبتةٌ صغيرةٌ خضراءُ دحرجَتِ الترابَ لترى النور، وراحت تشقُّ طريقَها بفخرٍ واعتزاز.
تلكَ النبتة أصبحَت اليومَ شجرةً وارفةَ الظلال، تواجِهُ الرياحَ لتدافعَ عن استمراريّة الحياة.
هكذا هي الحياة ففي داخل كلِّ إنسانٍ بذرةٌ تحملُ إرادة النهوض، قد تكون نائمةً ولكنّها حيّة، لا تلبثُ أن تدبّ فيها قوّةُ الحياة فتستيقظ وتنطلق.
هلا قسطنطين
Spread the love