قد لا تكونُ أعينُنا معتادةً على رؤية الجمال وقد لا ترى سوى جمال مجالٍ واحدٍ من مجالات حياة الإنسان والطبيعة.
إنّ المُزارِعة الصغيرة، وهي القريبة من الطبيعة الغنيّة بآثار الله، عندما تأتي إلى المدينة، تلبسُ ثيابًا ذات ألوانٍ غريبةٍ ودون انسجامٍ بينهما لدرجةٍ أنّها تلفتُ الإنتباه وتُزعجُ الناظر.
هي تعتبرُ هذه الألوان جميلة، وبالنسبة إليها لا قيمة حتّى لأفضل الأعمال الفنّيّة لأنّها وبكلّ بساطةٍ لا تفهمُها.
***
ولكن في نظر الله ما الأجمل؟
أهُوَ الطفلُ الذي ينظرُ إليكَ بعينَيْن صغيرتَيْن وبَريئَتَيْن وحيويّتَيْن تُشبهان الطبيعةَ الصافية؟
أم الشابّة التي تتألّق بنضارةِ الزهرة التي تفتَّحت لتوِّها ؟
أم العجوز الذي إبْيَضَّ شعرُه وتجعَّدَ وجهُه، والذي أضحى مُحدبًا ولا يقدرُ تقريبًا على شيءٍ بعد، وهو ينتظرُ الموتَ وحسب؟
***
إنّ حبّةَ الحنطة، المبشِّرة بخيرٍ حميمٍ عندما تلتصقُ بأخواتها الحبوب الأخرى المتعلّقة بخيطٍ من العشب، والملتوية، والتي تُشكِّلُ السنبلة، تلك الحبّة تنتظرُ النضجَ لتفكَّ رباطَها وتتهادى وحيدةً ومستقلّةً على يد المزارع أو في حضن الأرض، إنّها لجميلةٌ ومفعمةٌ بالرجاء.
غير أنّها جميلةٌ أيضًا أن تُختارَ عندما تنضجُ من بين الأُخريات لأنّها أفضل منها، ومن ثمّ تُدفَن وتعطي الحياةَ لسنابلَ أخرى. إنّها جميلةٌ وهي المختارة لأجيال الحصاد المقبلة.
غير أنّها إذ تُدفن، تُتلف، تُقلِّصُ كيانَها إلى القليل القليل فيتكشَّفُ وتموتُ ببطءٍ وتعفُّن لتُعطيَ نبتةً صغيرةً تختلفُ عنها وتحتوي على حياتها ولربّما تكونُ أجملَ منها.
جمالٌ متعدِّد.
ومع ذلك فالواحدة أجملُ من الأخرى.
وآخرُها هي أجملُها.
كيارا لوبيك