مسارٌ يتحوّل من دراسة الحقوق إلى الحفاظ على البيئة
يُعرف بول أبي راشد كناشطٍ بيئيّ، يدافع عن ثروة لبنان الطبيعيّة: الأرض، والمناخ، والأشجار…
“الأولويّة والسيادة للأرض والحفاظ عليها”
“حرق الغابات، قطع الأشجار المعمّرة هي خسارة للبنان وبيئته وجماله”.
كان لنا لقاءٌ معه يخبرُنا فيه عن مسيرته “البيئيّة” التي بدأت منذ عام ١۹۸۸.
نعلم أنّك بدأتَ مسيرتك الجامعيّة كطالبٍ في الحقوق ثمّ فجأةً اكْتشفْتَ أنّ رسالتك وقَضِيّتك هي الحفاظ على البيئة. كيف تمّ هذا التحوّل؟
في عامي الجامعيّ الثاني كنت أُزاوِلُ عملاً إلى جانب دراستي. فأتى يومًا زميلي في المكتب وقدّم لي كتابًا يحمل العنوان التالي:
“Pour une éducation relative à l’environnement au Liban – Presses Univesité Libanaise, 1988” أي ” لتربية بيئيّة في لبنان”. بقلَم جورج وهنرييت طعمة. قرأتُه وتمتّعتُ بكلّ فصل، وقلتُ في قرارة نفسي: “هذه هي القضيّة التي أبحثُ عنها”. وتزامُنًا مع هذا الكتاب، كان ليَ الحظّ بحضور فيلمٍ بعنوان Brother Sun, Sister Moon » « للمخرج الإيطاليّ فرنكو زيفرللي الصادر عام ١۹٧٢، والذي يروي قصّة القدّيس فرنسيس. لقد أحدث هذيْن العمليْن تغيُّرًا جذريًّا في حياتي، وتبيّن لي أنّه عليّ أن أُعطيَ الأولويّة للحفاظ على البيئة من وجهة النظر العلميّة والإنسانيّة. هكذا قرّرت أن أصبحَ قبطان كوكب أو “captain planet”.
كنتُ في الحقيقة أرغب أن تنتهي الحرب في لبنان، كما كنتُ أبحثُ عن التزامٍ يستحقّ أن أبذلَ له حياتي فوَجدتُه!
ما هي المراحل التي مررت بها في مسيرتك؟
– التعليم: بعد حصولي على إجازةٍ في الحقوق، إخترْتُ التوجُّهَ إلى عالَم التربية للحفاظ على البيئة إيمانًا منّي بأنّها ستُنَشِّىءُ أجيالًا من الطلّاب حريصين على البيئة. كانت هذه مغامرة استمرّت لمدّة أربع سنوات، إختبرتُ فيها مع التلاميذ هذا العالَم مازجًا العِلم والمشاريع والألحان. فلِلْموسيقى فضلٌ كبيرٌ في إيصال الرسالة. كانت آلة الغيتار رفيقتي وحليفتي المميّزة في جميع أنحاء لبنان ومدارسه تؤدّي إلى جانبي دورَ رَسولِ البيئة.
– الإصدارات: كان لي أيضًا إصداراتٌ عدّة، عدا الذخيرة الموسيقيّة المؤلّفة من سبعين أغنيةٍ تثقيفيّة، أذكر منها:
L’Éco-citoyen Libanais – Mer sans Plastique
دليل البلديّة الصديقة للبيئة – ٢٠١٨
دليل فرز النفايات للبلديّات والجمعيّات “من المصدر حلّ بلديّ ونظيف” – ٢٠١٧
الحقيبة التربويّة البيئيّة لشرعة المواطن البيئيّ اللبنانيّ – ٢٠٠٨
ما هي اهتماماتك الآن ؟
بعد هذا الإلتزام في المدارس والجولات اللبنانيّة، رحتُ أدرّبُ الأساتذة ثمّ بدأتُ العمل مع القطاع الخاصّ والعامّ ومع البلديّات… بعدها انتقلتُ، ومنذ العام الماضي، للعمل حول مشروع قانونٍ يقضي بالمحافظة على الجبال، واليوم نتعاون والبروفيسور ميشال بْرِيور Michel Prieur، رئيس المركز الدولي لقانون البيئة المقارن CIDCE في مدينة ليموج في فرنسا، حول معاهدة برشلونه وبالتحديد حول جعل البحرالمتوسّط خاليًا من البلاستيك.
في عام ١۹۹٥، وقبل مغادرتي التعليم، أنشأتُ مع أصدقائي جمعيّة “Tentons Ensemble de Réaliser un Rêve pour nos Enfants “T.E.R.R.E – لنحاولَ معًا أن نحقّقَ حلمًا لأطفالنا.
إهتمّت هذه الجمعيّة لمدّة سبع سنوات بمشاريعَ عدّة ومنها، الحفاظ على غابة بعبدا القريبة من بيروت، وتدوير الورق، والزرع في المدارس… قبل أن تحظى في عام ٢٠٠٢ على العلم والخبر رسميًّا.
في عام ٢٠١٢ أسّستُ “جمعيّة الحركة البيئيّة اللبنانيّة” التي تهدف إلى رفع الصوت عاليًا لوقف السدود العشوائيّة والمحارق والمقالع والكسّارات وردم البحر، وأنا رئيسها منذ تسع سنوات.
أقرّتْ الأمم المتّحدة في ٢٥ أيلول/سبتمبر ٢٠١٥ سبعة عشر هدفًا تتعلّق بالتنمية المستدامة. هل يهتم لبنان بتنفيذها؟
وقّع لبنان هذه المعاهدة عام ٢٠١٥. نرى على الصعيد العالميّ اهتمامًا في تطبيقها وإن أتت النتيجة ضعيفة. أمّا في لبنان فالإلتزام يبقى حبرًا على ورق. نحن كجمعيّة، نحاول دائماً التكلّم عن التنمية المستدامة وإدراجها إمّا في التربية أو في المسابقات أو مشاريع الأنشطة التربويّة. ولتلافي خيبة الأمل عند الشباب الناتجة عن عدم التنفيذ، من المستحسن في بعض الأوقات عدم التكلّم عنها في حال كانت الفكرة بعيدةً عن التطبيق. يُمكننا القول بأنّ المطلوب هو فريقٌ حكوميٌّ يُحبُّ الحلم ويجعل من حلمه حقيقة.
هل اتّخذتَ هدفًا معيّنًا من أصل السبعة عشر وحاولتَ تنفيذه؟ وهل تقوم بحملةٍ إعلانيّةٍ لهذه الأهداف؟
كلّا، فالأهداف السبعة عشر كتلةٌ واحدةٌ مترابطة. يمكنها أن تكون برنامجًا إنتخابيًّا للنائب، لعضو البلديّة، للنقيب في نقابته… عندما ترشّحتُ سنة ٢٠١۸ للمقعد النيابيّ في منطقتي كانت هذه الأهداف شعاري.
لقد قدّمتُ لل UNDP – برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ- فيديو يتكلّم عن الهدف ١٥، أي الحياة في البرّ وإدارة الغابات. وبالتعاون مع المركز الفرنسيّ، قمنا مع عدّة مدارس بتنظيم لعبة “صيد الكنز “لِنُسلّطَ الضوء على هذه الأهداف وأهمّيّة الإلتزام بها لأنّها شرطٌ أساسيٌّ في محاربة التغيّر المناخيّ.
في ١٥ أيار ٢٠٠٥، أصدر البابا فرنسيس رسالةً عامّةً بابويّة “كن مُسَبَّحًا” حول العناية بكوكبنا لأنّه بيتنا المشترك. ماذا تعني لك هذه الرسالة ؟
يتراءى لي بأنّ قداسته يُكمّل ما قدّمه في هذا المضمار القدّيس يوحنّا بولس الثاني وقداسة البابا بنديكتوس السادس عشر. فكان للقدّيس رسالةٌ وجَّهَها في اليوم العالميّ للسلام في أوّل كانون الثاني/يناير ۱۹۹٠ تحت عنوان “السلام مع الله الخالق – السلام مع كلّ الخلق”، وما قاله البابا بنديكتوس السادس عشر في رسالته إلى البطريرك المسكونيّ في أيلول/سبتمبر ٢٠٠٧ بمناسبة مؤتمرٍ حول الدّين والعلم والبيئة. وقداسة البابا فرنسيس ناشطٌ كبيرٌ في هذا الميدان ويهتمّ بإرسال ممثّلين عنه إلى مؤتمراتٍ عالميّةٍ تدور حول البيئة وبشكلٍ خاصّ حول البيئة المستدامة. لكنّنا، نحن كشعبٍ وكنيسة، علينا أن نتحرَّكَ بغيرةٍ أكبر تجاه هذا الكوكب المهدّد بالزوال.
ما هي رسالتك للشباب اللبنانيّ وشباب الشرق الأوسط؟
لبنان هو خزّان مياهٍ للشرق الأوسط. أنعمَ اللهُ على لبنان بسلسلة جبالٍ عاليةٍ تغطّيها الثلوج وتُخزّن المياه. علينا مسؤؤوليّة تنظيم المقالع والكسّارات ووضع قوانينَ للحفاظ على الأشجار، كي تستطيعَ الأرض أن تحفظَ هذه المياه وتفجّرَها ينابيعًا وأنْهُرًا فترويَ لبنانَ والدُولَ المجاورة. هذه هي رسالتي لشباب لبنان.
أمّا لشباب الشرق الأوسط أودّ أن أقول لهم: إنّ دَعمَكُم لشبيبة لبنان مهمٌّ جدًّا، لأنّ لبنان يمرّ بصعوباتٍ جمّة. هذا الدعم يقوم مثلًا على مشاركتكم في مخيّماتٍ للمتطوّعين أو في حملات تشجير الغابات اللبنانيّة لإعادة خضاره، والمشاركة في حماية البيئة من الحرائق وغيرها من النشاطات البيئيّة.
إعداد شارلوت فرحات