في أيّ عالمٍ نعيش
مارغريت كرّام هي رئيسة مجموعة الفوكولاري منذ عام ٢٠٢١. وقد قام الصحفيّ بيتر فروست بحوارٍ معها يتمحور حول موضوع السنة الجديدة وموضوعه “القُرْب” والمساهمة التي يمكن لكاريزما الوحدة أن يقدّمها. وها هي تقدّمه لنا بشغفها لتساعدنا على عَيْشِ القُرب بحزمٍ واحترام.
مارغريت، لماذا اخترتِ “القُرْب” كموضوعٍ لهذه السنة لمجموعة الفوكولاري؟
لقد سألت نفسي: في أيّ عالمٍ نعيش؟ ويبدو لي أنّ هناك في هذه اللحظة من تاريخ البشريّة الكثير من الوحدة واللامبالاة. بالإضافة إلى ذلك، هناك تصعيدٌ في العنف والحروب التي تجلب الكثير من الألم للعالم أجمع. كما فكّرت في التكنولوجيا التي جعلتنا متّصلين بطرقٍ لم نعهدها من قبل، لكنّها في نفس الوقت تجعلنا أكثر فرديّة. في عالمٍ كهذا، أعتقد أنّ القرب يمكن أن يكون بمثابة ترياقٍ ومساعدةٍ لتجاوز هذه العقبات ومعالجة هذه “الأمراض” التي تجعلنا بعيدين عن بعضنا البعض.
من أين يمكننا أن نبدأ؟
منذ شهورٍ وأنا أطرح على نفسي هذا السؤال. يبدو لي أنّنا بحاجةٍ إلى إعادة تعلُّم كيفيّة الاقتراب من الناس، وإعادة تعلُّم كيفيّة النظر إلى الجميع ومُعاملتِهِم كإخوةٍ وأخوات. شعرتُ أنّه قبل كلّ شيء، كان عليّ أن أقوم أنا بفحص ضميرٍ حول تصرّفاتي الشخصيّة، بمعنى أن أسألَ نفسي هل الأشخاص الذين أقتربُ منهم يوميًّا هم إخوةٌ وأخواتٌ لي؟ أم إنّني غيرُ مباليةٍ بهم، أو حتّى أعتبرهم أعداء؟ طرحت على نفسي الكثير من الأسئلة. إكتشفت أنّه في بعض الأحيان أرغبُ في تجنُّب شخصٍ ما، ربّما لأنّه يزعجني، أو يسبِّبُ ليَ الإحراج، أو يريد أن يقولَ لي أشياءَ صعبة. لكلّ هذا، عَنْوَنتُ تأمّلي حول القُرْب بهذه العبارة: “مَن أنتَ بالنسبة لي؟”.
ماذا يجب أن يتغيّر؟
على جودة العلاقات بين الأشخاص أن تتبدّل. أحيانًا يكون من الأسهل معاملة الأشخاص خارج مجموعتنا أو عائلتنا بشكلٍ جيّد، بينما يكون التعامل بيننا نحن الذين ننتمي إلى نفس العائلة أكثر صعوبة. نخاطر بأن تكون علاقتُنا “علاقةَ مجاملة” وحسب، فلا نؤذي بعضنا البعض، ولكنّني هنا أسأل: هل هذه علاقةٌ حقيقيّة؟
لذلك، أتمنّى أن يُصبحَ القُرْب أسلوبَ حياةٍ يوميّ؛ أن نسأل أنفسنا عدّة مرّاتٍ خلال اليوم: هل أعيش القرب؟ كيف أعيشه؟ إنّ أهمّ التعابير التي تتعلّق بموضوع القرب هي التسامح. أن نكونَ رحماء تجاه الآخرين – وأيضًا تجاه أنفسنا.
ما هي الرسالة التي يحتويها هذا الموضوع للمجتمع؟
إنّ القرب ليس مجرّد موقفٍ دينيٍّ أو روحيّ، بل هو أيضًا مدنيٌّ واجتماعيّ. يمكن عيشه في أيّ مجال. وعلى سبيل المثال، في مجالَيْ التعليم والطبّ، وحتّى في السياسة، حيث ولربّما يكون الأمرُ أكثرَ صعوبة. إذا عشنا القُرب بشكلٍ جيّد، يمكننا أن نؤثّرَ إيجابيًّا على العلاقات في أيّ مكان نوجد فيه.
وماذا عن الكنيسة؟
إنّ الكنيسة موجودةٌ لأنّ الله، مع مجيء يسوع، إقتربَ مِنا. إذًا، الكنيسةُ والكنائس مدعوّةٌ لتشهدَ على قربٍ مُعاش.
عاشت الكنيسة الكاثوليكيّة مؤخّرًا تجربةَ السينودس. لقد استطعتُ أن أشارك في الدورتين في الفاتيكان. كنا أكثر من ٣٠٠ شخصٍ من ثقافاتٍ مختلفة. وماذا فعلنا؟ قُمنا بعَيْش السينودسيّة، أي التمرين على الاستماع، والتعرُّف العميق بالآخَر، واستقبال أفكاره وتحديّاتِه وآلامِه. هذه كلُّها خصائصُ القرب.
كان عنوان السينودس “السير معًا”. وقد شمل هذا المسار أشخاصًا كثيرين حول العالم. كان شعارُ السينودس يُعبِّر عن الرغبة في توسيع خيمة الكنيسة بحيث لا يشعر أحدٌ بأنّه مستبعد. يبدو لي أنّ هذا هو المعنى الحقيقيّ للقرب: ألا يُستبعَد أحد؛ أن يشعرَ الجميع بأنّه مُرحَّبٌ بهم، سواء كانوا يرتادون الكنيسة، أو لم يتعرّفواعليها، أو حتّى إنْ كانوا قد ابتعدوا عنها لأسبابٍ مختلفة.
هل من تمنٍّ ختاميّ؟
أتمنّى أن يُعيدَنا هذا الموضوع إلى جوهر ما قدّمه لنا يسوع نفسه في الإنجيل. لقد أعطانا العديد من الأمثلة حول ما يعنيه أن نعيش القرب.
أعطت كيارا لوبيك، مؤسِّسة مجموعة الغوكولاري، فكرةً تركت في نفسي أثرًا كبيرًا، تقول فيها:
“هناك من يقوم بالأشياء ‘من أجل الحُبّ’، وهناك من يقوم بالأشياء محاولًا أن ‘يكونَ هو الحُبّ’. فالحُبُّ يجعلنا ثابتين في الله، والله هو الحُبّ. ولكنّ الحُبّ الذي هو الله هو نور، وبالنور نرى إنْ كان أسلوبُنا في الإقتراب من الأخ وخدمتُه يتماشيان مع قلب الله، كما يتمنّاه الأخ، أي كما كان سيحلم به لو لم نكن نحن بجانبه، بل يسوع”.

المدينة الجديدة

Spread the love