عيدٌ جديد
هذه السنة زارنا العيدُ بشكلٍ مختلفٍ عمّا عَهِدْناه في السنوات السابقة. ففي كلّ عامٍ كان الناس ينشغلون بالثياب والزينة والهدايا والألعاب، أوبزيارة بعضهم البعض. أمّا هذا العام فقد أتى العيدُ بهدوء، دون ضجيج الإحتفالات ودون زحمة المهنّئين والزائرين. كنت أسيرُ وأنا أفكّرُ بهذا الواقع المُحزن. إستوقفني مشهدُ فتاةٍ تُوزّع الورود على المارّة في الشارع. إقتربتُ منها فإذا بها تستقبلُني بابتسامةٍ هادئةٍ مصحوبةٍ بوردةٍ بيضاء. إعتقدتُ في البداية أنّها تبيعُ الورود، لكنّها أوضحت لي بأنّها توزِّعها هديّةً لكلّ من تراه. سألتُها عن سبب قيامِها بذلك، فكان جوابُها أنّها تحاول أن تزرعَ الفرح والتفاؤل في زمن مليءٍ بالصعاب.
كان اسمُ تلك الفتاة أمل، مرادفًا لروحها الطيّبة. شعرتُ في داخلي بشيءٍ غريبٍ تجاهها، وأردتُ أن أُمضيَ معها المزيد من الوقت، وبالطبع وافقتُ بسرور. مَشَتْ بقربي بصمتٍ وهدوء، وكنت أتساءلُ في نفسي عن المكان الذي نقصده، حتّى وصلنا أخيرًا إلى بيتٍ متواضعٍ اعتقدتُ أنّه بيتَها، لكن عندما بدأتُ بقرع الجرس أدركتُ أنّني مخطئة.
فتحت لنا امرأةٌ مُسنّةٌ محدودبة الظهر، تبدو على وجهها ملامحُ تعب الدهر والعمر. رَحَّبتْ بنا بفرحٍ كبير، تحدّثت أمل معها قليلاً، وبعد سؤالها عن صحّتها أخرجت أمل بعض الأدوية من حقيبتها ووضعتها على الطاولة وقالت للمرأة العجوز: “إنّ ابنَكِ أرسل لكِ هذه الأدوية وهو مشتاقٌ إليكِ جدًّا”. لمعت عينا العجوز عند سماعها تلك الكلمات، وقامت تُقدّمُ لنا الشراب وكأنّ روحَ الشباب عادت لها.
بعد مغادرتنا حاولتُ أن أستفسِرَ عن ابن تلك العجوز، لكنّني تفاجأتُ بأنّ أمل لا تعرفُ ابنَها، كلُّ ما تعرفُه هو ما سَمِعَتهُ عنه على ألسِنَة أهل الحيّ، بأنّه سافر منذ زمنٍ بعيدٍ دون أن يعرفَ أحدٌ وجهته، تاركًا وراءه أمّه، وانقطعَتْ أخبارُه منذ ذلك الحين. أدركَتْ أمل أنّ تلك المرأة بحاجةٍ إلى الحبّ كما هي بحاجةٍ للإهتمام، واعتادَتْ دائمًا أن توهمَ المرأة العجوز بأنّها صلة الوصل بينها وبين ابنها، لتُجدّدَ أملها في الحياة.
عدتُ إلى منزلي لأشاركَ مع عائلتي بالتحضير للَيْلة العيد، شعرتُ بنعمة الله الذي يجمعُنا كعائلة. شعرتُ بداخلي بشيءٍ جديد، بفرحٍ ممزوجٍ بنكهة الحبّ والأمل وكأنّ هذا العام حمل لي نكهةً خاصّةً لم أتذوّق طعمها في حياتي.
هذه هي الفرحة الحقيقيّة للأعياد، أن نضعَ الإبتسامة حيث يوجد الحزن، أن نُضيفَ الأمل حيث تطغى الكآبة، أن نُشارك الآخرين وَجَعَهُم، فنحتمل مع بعضنا مآسي الحياة لتُصبحَ أجمل.
هلا قسطنطين
Spread the love